تهذيب المُدوّنة لأبي سعيد البراذعي

طباعة
تقييم المستخدمين: / 2
سيئجيد 


تهذيب المُدوّنة لأبي سعيد البراذعي[1]

المُدوّنة ــ مُختصراتُها ـ تهذيبُ المُدوّنة ـ مُختصراتُه ـ شُروحُهُ ـ ترجمة المُؤلّف[2]

تمهيد :

        وُلعت ــ من عهد الصّغر ــ بكُتُب السّلف وآثار القدماء لعلمي أنّها أكبرُ عون على تحصيل العلم وأقربُ مُوصل إلى تفهّم الدّين لأنّها ألفت في عُصور ازدهار الإسلام ولأنّ السّلف ــ رضي الله عنهم ــ كانُوا أقدر تصرّفا في عُلومهم وأفصحُ تعبيرا عن مقاصدهم من الخلف .

        في السّنة الماضية حصلت على نُسخة خطّية من كتاب << تهذيب المُدوّنة >> لأبي سعيد البراذعي القيرواني , وهي نُسخة قيّمة تجمع بين جودة الورق وجمال الخطّ , كُتبت هذه النّسخة بخطّ أندلسيّ , وتبلغ صفحاتُها 566 صفحة في القالب الكبير ولم يذكر ناسخُها تاريخ نسخها , والمظنُون أنّها نُسخت في القرن العاشر الهجري وعلى إثر تحصيلي عليها قدّمتُها إلى زميلي الأديب الأستاذ جلّول البدوي المُدرّس بمدرسة << الشّبيبة >> ورجوتُ منه أن يكتُب لها فهرسا مُفصّلا لما يمتازُ به هذا الصّديقُ من جودة الخطّ وحُسن الذوق فتفضّل بالإجابة وكتب لها فهرسا جاء في غاية الجودة والإتقان جازاه الله عن عمله خيرا .

        وقد رأيتُ ــ أنا ــ أن أقوم من جانبي بكتابة كلمة تتضمّنُ التّعريف بالكتاب وترجمة المُؤلّف , فكتبتُ مُقدّمة ضافية عرضتُ فيها تاريخ المُدوّنة ومُختصراتها لأنّها الأصلُ الأوّل للكتاب ثمّ عرّفتُ بالتّهذيب ومُختصراته وشُروحه وختمتُها بترجمة المُؤلّف ترجمة مُتوسّطة بين الإيجاز والإطناب .

        وإنّنا لنأسف جدّ الأسف ــ لعجزنا المادّيّ ــ على عدم طبع الكتاب مع شرح من شُروحه فإنّ في  نشر هذا الكتاب ــ وغيره من كُتُب السّلف القيّمة ككتاب التّلقين للقاضي عبدُ الوهّاب وشرحه للإمام المازري << والبيان والتّحصيل >> لابن رُشد والكافي لابن عبد البرّ ــ لتوفيرا لوقت الطّالب ورفقا بفكره وتمكينا له من التفقه في الدّين .

        أمّا طلبُ الفقه من مُختصر ابن الحاجب ومُختصر خليل ومجمُوع الأمير فهُو مضيعة للوقت وإجهاد للفكر في غير جدوى ولا طائل , فإنّ النّاظر في هذه المُختصرات بدل أن يشتغل بتحصيل المسألة والتفقه فيها من جهة النّظر والاستدلال عليها من الكتاب والسّنّة تراه يعصرُ فكره ويُجهدُ قريحته في حلّ رُمُوز هذه المُختصرات وكشف ما فيها من تعقيد وتعمية ثمّ يخرُجُ بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها . إنّ هذه الكُتُبُ التّي بالغ أصحابُها في اختصارها حتّى كادت تكونُ ألغازا ــ علاوة عن كونها وقفت سدّا منيعا بيننا وبين كتب السّلف التّي تُمثل يُسرُ الإسلام وسماحته ــ أجهزت على الفقه وكانت سببا مُباشرا في الصّدّ عن تفهّم روح التشريع الإسلامي كما كانت سببا في قتل الأفكار وشلّها عن التفكير الصّحيح .

        قال القاضي([3]) أبو عبد الله محمّد بن محمّد المقري التلمساني مُنتقدا طريقة عُلماء عصره في الكُتب التي يعتمدونها في التّدريس والفتيا << كامل هذه المائة ــ المائة الثامنة من الهجرة ــ عن حال من قبلهم من حفظ المُختصرات فاقتصروا على حفظ ما قلّ لفظه ونزر حظه وأفنوا عمرهم في حلّ لغوزه وفهم رُموزه ولم يصلوا لردّ ما فيه إلى أصوله بالتّصحيح فضلا عن معرفة الضّعيف والصّحيح وتركوا كتب البراذعي على نُبلها ولم يستعمل منها على كره من كثير منهم غير التّهذيب وهو المُدوّنة اليوم لشُهرة مسائله >> اهـ .

        وحسبُ القارئ معرفة بهذه المُختصرات وتقدرا لقيمتها أنّ بعضها ألف عصر الوقوف وأعني به  وقوف المُسلمين عن التّقدّم في الفتوحات . وإنّ بعضها ألف في عصر التّدهور والانحطاط وهو العصر الذي استولت فيه الدّول الغربيّة على مُعظم الممالك الإسلاميّة .

        إنّنا نعتقد اعتقادا جازما أنّ المسلمين لن تقوم لهم قائمة إلاّ برُجوعهم إلى الإسلام الصّحيح الخالص من كلّ ما ألصق عمدا أو جهلا من خراف شوّه جماله وكاد يطمس معالمه , وأنّ الفقه الإسلامي لا يُمكنُ فهمُه فهما يتمثل فيه يُسرُ الإسلام وسماحته إلاّ بالرّجوع إلى كتب السّلف بعد عرضها عرضا يغري بمُطالعتها , وطبعها طبعا يُمثل روح العصر نقول هذا ما دامت كتب الفقه عندنا هي مُختصر الشيخ خليل ومجموع الأمير وشُروح ابن عاصم , ومادامت الحُكومات الإسلاميّة لم تُفكر جدّيا في وضع كتاب عام للفقه الإسلامي بحيث يكونُ جامعا مانعا غير مقيّد بمذهب ولا مُتحيّزا لطائفة فيكون رائده الدّليل الصّحيح من كتاب الله وسُنّة رسوله أينما وُجد هذا الدّليل ومع أيّ طائفة كان . أمّا إذا قامت حُكومة أو حُكومات إسلاميّة بهذه المُهمّة فإنّ أكبرُ ما تطمح إليه نُفوسنا من هذه النّاحية , وبهذا يمكن توحيد كلمة المسلمين وإزالة أو تقليل ما بينهم من خلاف .

        وفي ظنّنا أنّ عملا كهذا لا تستطيعُ أن تضطلع به إلاّ حُكومة غنيّة كالحُكومة المصريّة وعُلماء مُتبحّرين في العلوم الإسلاميّة كبعض عُلماء الأزهر , وبذا تكون الحُكومة المصريّة ورجال الأزهر قد قدّموا إلى الإسلام وأهله والشرق وأممه يدا لا تُنسى ومبرّة لا تُمحى , وفق الله الأمّة الإسلاميّة إلى ما فيه توحيد كلمتها وجمع شملها حتى يكون مُستقبلها خيرا من حاضرها فتستطيع بعد ذلك أن تفرض طاعتها على الذين فرضوا عليها طاعتهم .

المُدوّنة ومُختصراتُها :

        كتابُ المُدوّنة أشهر كتاب في فقه المالكيّة وأوثق مصدر عندهم وهو مجموعة مسائل تبلُغ نحو ستة وثلاثين ألف مسألة . دوّنها الإمام سحنون بن سعيد التّنوخي القيرواني المُتوفى سنة 240 هـ عن أشهر تلامذة الإمام مالك عبدُ الرّحمن بن بلقاسم المُتوفى سنة 191 هـ .

        جمع سحنون مسائل المُدوّنة مُفرقة من غير تنسيق ولا تبويب فكان يجمع مسائلها كيفما اتفق , ولمّا عاد إلى القيروان أخذ في تنسيقها وتنظيم أبوابها ولكن المنيّة عاجلته قبل إنجاز عمله فبقي الكثير من مسائل الكتاب مُفرقا مُختلطا ومن ثمّ أطلق عليها اسم << المُدوّنة والمُختلطة >> وقد عني بشرحها وتنظيمها واختصارها كثير من فقهاء المالكيّة .

مُختصراتُها :

        1ــ أوّلُ من اختصرها فيما وصل إلينا فضل بنُ أبي سلمة الجُهني الأندلسي المُتوفى سنة 319 هـ

        2ــ ثمّ محمّد بنُ عبد الله بنُ عيشون الطليطلي الأندلسي المُتوفى سنة 341 هـ ما عدا الكُتُب المُختلطة منها .

        3ــ ثمّ محمّد بنُ عبد الملك الخولاني البلنسي الأندلسي المُتوفى سنة 364 هـ

        4ــ ثمّ أبُو محمّد عبدُ الله بنُ أبي زيد القيرواني المُتوفى سنة 386 هـ

        5ــ ثمّ أبو محمّد عبدُ الله ابنُ أبي زمنين الأندلسي المُتوفى سنة 399 هـ ويُقال أنّ مُختصر ابن أبي زمنين أجودُ هذه المُختصرات وأحسنها .

        6ــ ثمّ أبو القاسم بنُ عبدُ الرّحمن الحضرمي الإفريقي المُتوفى سنة 440 هـ

        7ــ ثمّ القاضي أبو الوليد الباجي الأندلسي المُتوفى سنة 499 هـ

تهذيب البراذعي :

        8ــ واختصرها أيضا أبو سعيد البراذعي القيرواني من كبار تلامذة ابن أبي زيد القيرواني وسمّى اختصارُه << التّهذيب >> وهو هذا الذي نعرف به في هذه الكلمة . سلك أبو سعيد في تهذيبه مسلك ابن أبي زيد لكن البراذعي حافظ على ألفاظ المُدوّنة في أكثر الأحيان ولم يزد عليها شيئا من الفروع .

شُهرته وإقبال النّاس عليه :

        وتهذيب البراذعي من أجود مُختصرات المُدوّنة وأتقنها , وهو بعد أبعدها صيتا وأكثرها ذيوعا وانتشارا , فمنذ ظهوره قضى على جميع المُختصرات التي تقدّمته وحصل عليه إقبال عظيم حتّى صار من اصطلاحهم إطلاق لفظ << المُدوّنة >> عليه , وقد مثل دورا مُهمّا قبل ظُهور مُختصر ابن الحاجب الفرعي , وعني به فقهاء المالكيّة , شرقا وغربا دراسة وشرحا وتعليقا واختصارا , ولم تقتصر شُهرة كتاب التّهذيب على المحافل العلميّة ومجالس الفقه بل جاوزتها إلى الأوساط الأدبيّة الرّاقية يدلّنا على ذلك قولُ ذي الوزارتين لسان الدّين ابن الخطيب مُوريًا بكتابَيْ التّهذيب والمُدوّنة في قصيدته البائيّة المشهورة في أبي عبّاس فارس المريني :

وهي الكتائبُ إن تُنوسي عرضها   ***   كانت مُدوّنة بلا تهذيب

ومن تمكّن التورية في هذا البيت نعرف مكانة التّهذيب بالنّسبة إلى أصله << المُدوّنة >> .

نقدُه :

        ألّف أبو محمّد عبدُ الحق الإشبيلي نزيل بجاية والمُتوفى بها سنة 581 هـ في نقده التّهذيب كتابا سمّاه << التعقيب على التّهذيب >> انتقد فيه أشياء أحالها البراذعي في الاختصار عن معناها ولم يتّبع فيها ألفاظ المُدوّنة .

مُختصراتُه :

        1ــ أشهرُ من اختصر تهذيب البراذعي([4]) أبو عمرو عُثمان بنُ الحاجب السّكندري المُتوفى سنة 646 هـ وقد شغل مُختصره عقول الفقهاء وقتا طويلا وبقي مرجعهم للتّدريس والفتيا إلى القرن العاشر الهجري .

        2ــ واختصره أيضا أبو محمد عبد الكريم بنُ عطاء الله السّكندري وكان مُعاصرا لابن الحاجب ورفيقا له في مراحل التّحصيل .

        3ــ واختصره عبدُ الله بنُ عبدُ الرّحمن الشارماساحي البغدادي المُتوفى سنة 669 هـ وسمّى اختصاره << نظمُ الدّرر >> .

        4ــ واختصره أحمد بنُ المُنير السّكندري المُتوفى سنة 683 هـ .

        5ــ واختصره محمّد بنُ هارون الكُناني التّونسي المُتوفى سنة 750 هـ

شُروحه :

        1ــ وأشهر من شرحه أبو محمّد عبدُ الكريم بنُ عطاء الله السّكندري وسمّى شرحه << البيان والتّقريب في شرح التّهذيب >> وهو في عدّة مُجلّدات .

        2ــ وعبدُ الله بنُ عبد الرّحمن الشّارمساحي البغدادي المُتوفى سنة 669 هـ

        3ــ وشهابُ الدّين أحمد بنُ إدريس القرافي المصري المُتوفى سنة 684 هـ

        4ــ ومُوسى بنُ عليّ الزّموري المراكشي المُتوفى في العقد الأوّل من القرن الثامن الهجري .

        5ــ وعليّ بنُ محمّد الزرويلي الفاسي المشهور بأبي الحسن الصّغير المُتوفى سنة 719 هـ

        6ــ ومحمّد بنُ هارون الكُناني التّونسي المُتوفى سنة 750 هـ

        7ــ ومُوسى بنُ محمّد الفاسي المعروف بالعبدوسي المُتوفى سنة 676 هـ

        8 ــ ومحمّد بنُ خلفه الأبي التّونسي المُتوفى سنة 828هـ

        9ــ وشرحه ابن ناجي القيرواني المُتوفى سنة  هـ 837 بشرحين كبير وصغير .

        10 ــ ومحمّد بنُ مرزوق الحفيد التّلمساني المُتوفى سنة 842 هـ

        11ــ وأبو مهدي عيسى الوانوغي من تلامذة ابن عرفه ولم يُكمل شرحه وأكمله محمّد بنُ أبي القاسم المشذالي البجائي المُتوفى سنة 866 هـ

        12ــ ويحيى بنُ أحمد العلمي القسنطيني المُتوفى سنة 888 هـ

        13ــ ومحمّد بنُ يحيى المصري المشهور بالبدر القرافي المُتوفى سنة 1009 هـ

هذه هي أهمّ الشّروح التي عثرنا عليها وقد ضربنا صفحا عن الحواشي والتُعاليق الكثيرة التي كُتبت على التّهذيب .

<< ترجمة مُؤلّف التّهذيب أبي سعيد البراذعي >> :

        هو أبو سعيد ــ أو أبو القاسم ــ خلف بنُ أبي القاسم الأزدي القيرواني المشهور بالبراذعي , وُلد ونشأ في مدينة القيروان وتخرّج عن عُلمائها وقد رأى صاحبُ التّرجمة أن يُخلد ذكره حتّى لا يذهب في جُملة من تذهبُ أسماؤهم بذهاب وقتهم فأقبل على طلب العلم بجدّ بالغ وعزيمة ثابتة ولازم الجُلّة من شيوخ عصره كابن أبي زيد والقابسي وكانا أشهرُ عُلماء ذلك العصر . ويظهرُ أنّ عنايته كانت مُنصرفة إلى الفقه بوجه خاص فتفوّق فيه تفوّقا كبيرا حتّى عُدّ من حُفاظ مذهب مالك , وله فيه تآليف مُتعدّدة سنعرض لذكرها قريبا .

انتقاله إلى صقلّيّة :

        وبقي بالقيروان مُشتغلا بالتّدريس والتّأليف إلى أن تنكّر له أهلها لاتّصاله بشيعة العبيديين الرّوافض أو لمُنافسته شيخه ابنُ أبي زيد , وقد كان هذا الشّيخ مُقدّسا عند القوم , ففارقها ولسانُ حاله يُنشدُ قول أبي عُبادة البُحتري :

وإذا ما جفيتُ كُنت حريا   ***   أن أرى غير مُصبح حيثُ أمسي

وقصد جزيرة << صقلّيّة >> وكانت إذ ذاك مملكة إسلاميّة آهلة بالعلوم والمعارف زاخرة بالعُلماء والأدباء واتّصل بأميرها فقرّبه إليه وبوّأه منزلة ساميّة ومكانة رفيعة فذاع صيتُه وانتشرت مُؤلّفاتُه وأقبل النّاسُ عليها وبذلك أحرز على نُفوذ قويّ أنساهُ ما لقي في القيروان من جُحود لفضله وإعراض عن مُؤلّفاته فصلح حاله واستقام أمره وأقبل على التّدريس والتّأليف بجدّ ونشاط إلى أن وافاه أجلُه .

مُؤلّفاته :

        قلنا فيما سبق إنّ عناية أبي سعيد كانت مُنصرفة إلى علم الفقه ولهذا كانت مُؤلّفاته كلّها في هذا العلم , ولقد كان من المجودين في التّأليف والمُبرّزين فيه وعناية النّاس بكتاب التّهذيب وإقبالهم عليه قرونا مُتواليّة دليل على ما ذكر وقد تقدّمت شهادة المقري في مدحها والثناء عليها ,

والنّاسُ أكيسُ من أن يمدحوا رجُلا   ***   ما لم يروا عنده آثارا وإحسان

وقد اتّفق المُترجمون لأبي سعيد على ذكر أربعة من مُؤلّفاته وهي :

        1ــ الشّرحُ والتمامات لمسائل المُدوّنة .

        2ــ التمهيد لمسائل المُدوّنة , وقد عارض به مُختصر ابن أبي زيد وزياداته على المُدوّنة .

        3ــ اختصار كتاب الواضحة لابن حبيب .

        4ــ تهذيب المُدوّنة .

        وتهذيبُ المُدوّنة هو الأثر الوحيد الذي وصل إلينا من آثار الرّجُل ويظهر أنّه أجودُ مُؤلّفاته صُنعا وأحسنُها وضعا ولعلّ هذا هو السّببُ في إقبال النّاس عليه وبقائه محفوظا على توالي الأزمنة وتعاقب الأيّام .

وفاتُهُ :

        تتفقُ جميعُ المصادر التّي ترجمت للبراذعي على إهمال ذكر سنتي الولادة والوفاة غير أنّ القاضي عياضا ترجم له في المدارك بعد اللّبيدي وطبقته واللّبيدي تُوُفي سنة 440 هـ , وقد ذكر البراذعي في مُقدّمة النّسخة التّي عندنا من التّهذيب أنّه فرغ من تأليف الكتاب سنة 372 هـ فيغلبُ على ظنّنا أنّه تُوفي في أواخر النّصف الأوّل من القرن الخامس الهجري أي بعد وفاة اللّبيدي بشيء يسير .

        أمّا محلّ([5]) وفاته فقد تردّد فيه ابن ناجي في معالم الإيمان بين صقلّيّة والقيروان , فرحم الله الجميع وأثابهم أحسن إثابة علة ما بذلوا من جُهد وكابدوا من مشاق في خدمة الدّين والله وليّ المُؤمنين وناصرُ المُحقين والحمدُ لله ربّ العالمين .

الجزائر                                                                                  فرحات بن الدّرّاجي       



  [1] : مجلّة الشّهاب , الجُزء السّادس من المُجلّد الخامس عشر .

 ( 2 ) : تصيّدنا هذه المعلومات من المصادر الآتية : الانتقاء لابن عبد البرّ , الديباج لابن فرحُون مع ذيله لأحمد بابا , شرح الأبي على صحيح مُسلم , شرحُ الحطّابُ على المُختصر , الفكر ا لسّامي للحجوي , مع تصرّفات تقتضيها روحُ العصر واستنتاجات تتطلّبُها طبيعة التّاريخ .                                                                                                                   

 

( 3 ) : هو أبو عبد الله محمّد بن محمّد المقري التلمساني , والمقري نسبة إلى << مقره >> وهي ناحية من نواحي الزاب الجزائري , كان رحمه الله إماما مُتبحّرا في العلوم كلّها وكان عالي الهمّة مُحافظا على ناموس العلم نصيرا للسّنّة مُحاربا للبدعة , رحل إلى المشرق واجتمع بعلماء عصره كأبي حيّان المُفسّر وابنُ قيّم الجوزيّة وغيرهما , وكلّهم اعترف له بالتّفوّق في العلم والرّسوخ فيه . ورحل إلى بلاد الأندلس فاحتفى به عُلماؤها وأخذوا عنه , وكانت له مكانة سامية عند السّلطان أبي عنان المريني و ولاّهُ قضاء الجماعة في عاصمة مُلكه << فاس >> ثمّ صرفه عنه

        وللمقري تآليف كثيرة بلغت القمّة جودة وإتقانا وحسبُه فخرا أن يكون من تلامذة الفيلسوف ابن خلدون والأمام النّظّار أبو إسحاق الشّاطبي الأندلسي وتُوفي في مدينة فاس آخر 758 هـ ونُقلت رفاته إلى بلده << تلمسان >> حيث استقرّت الاستقرار الخير رحمه الله رحمة واسعة , وترجمته مستفيضة خُصّت بالتّأليف . 

( 4 ) : هكذا يقول الأستاذ الحجوي في الفكر السّامي والذي سمعتُه من بعض شيوخي بجامع الزّيتونة أنّ ابن الحاجب إنّما اختصر كتاب الجواهر الثمينة لعبد الله بن شاش المصري المُتوفى سنة ( 610 ) .

( 5 ) : بعد الفراغ من تحرير هذا البحث اطّلعت على كتاب الأعلام لخير الدّين الزّركلي فإذا هُو يقولُ في ترجمة البراذعي أنّه رحل من صقلّيّة إلى أصبهان فكان يدرّس فيها الأدب إلى أن تُوُفي في حُدود 400 هــ , 1010 مـ