المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز؛ وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله؛ وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة؛ ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة خالصة أخلص من الذهب الإبريز، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، شهادة يكون صاحبها في حرز حريز أما بعد:
فلما كان علم القضاء من أجل العلوم قدرا وأعزها مكانا وأشرفها ذكرا؛ لأنه مقام عليّ ومنصب نبويّ، به الدماء تعصم وتسفح، والأموال يثبت ملكها ويسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب، وكانت طرق العلم به خفية المسارب مخوفة العواقب، والحجاج التي يفصل بها الأحكام مهامه يحار فيها القطا ويقصر فيها الخطى، كان الاعتناء بتقرير أصوله وتحرير فصوله من أجل ما صرفت له العناية وحمدت عقباه في البداية والنهاية([1]).
ولما كانت البشرية على مر العصور ينوبها من الصراعات والنزاعات، في الأموال والأعراض والأنفس، وتحتاج في كل ذلك إلى حل لهذه النزاعات التي تنشأ بينها، فاتخذت كل أمة منهجا للفصل بينها في القضاء لحل هذه النزاعات، وقد قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأثنا عشر مطلبا، وهذا سردها:
المقدمة: وفيها لمحة عن علم القضاء، وخطة البحث.
التمهيد: مراحل تطور نظام القضاء على مر الزمن.
المطلب الأول: تعريف القضاء لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والإفتاء والتحكيم
المطلب الثالث: حكم تولي القضاء
المطلب الرابع: شروط تولي القضاء.
المطلب الخامس: اختصاصات القاضي، وواجباته، وحقوقه، وسيرته في قضائه:
المطلب السادس: الأسباب التي تقتضي عزله وانعزاله.
المطلب السابع: آداب القاضي، وما يجوز له، وما يمتنع عليه، وسيرته مع الخصوم.
المطلب الثامن: صفة القضاء وإجراءات التقاضي.
المطلب التاسع: تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها.
المطلب العاشر: التعريف بالمدعي والمدعى عليه، والشروط المعتبرة فيهما، والمدعى به، وشروطه.
المطلب الحادي عشر: مكان نظر الدعوى، وحضور الخصوم وغيابهم، وتلقين الدعوى، وتصحيحها، وأحوال جواب المدعى عليه، ودفع الدعوى، وشروطه.
المطلب الثاني عشر: تفصيل أحكام اليمين
المطلب الثالث عشر: تعريف الحكم القضائي، وشروط صحته، وبيان آثاره، وأسباب بطلانه، ومسوغات نقضه والرجوع عنه.
المطلب الرابع عشر: تفصيل نفاذ الحكم القضائي ظاهرا وباطنا.
الخاتمة: وفيها:
فهرس المحتويات
فهرس المصادر والمراجع.
الفرق بين القضاء والإفتاءوالتحكيم9
احوال جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ42
الطريق الثالث من طرق الإثبات: اليمين. 51
الطريق الرابع: القضاء بالقرائن. 51
الطريق السادس: قضاء القاضي بعلمه54
شروط القضاء بالنكول عن اليمين. 74
]]>
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى أله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فهذا بحث في علم القضاء جمعت فيه مادة علمية من مصادر مختلفة، ووضعته حسب الخطة التالية:
المطلب الأول: تعريف القضاء لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والفتوى والتحكيم.
المطلب الثالث: حكم تولي القضاء.
المطلب الرابع: شروط تولي القضاء ما يعتبر في القاضي من الشروط (شروط القاضي).
المحاضرة الثانية:
المطلب الخامس: اختصاصات القاضي، وواجباته وحقوقه، وسيرته في قضائه.
المطلب السادس: الأسباب التي تقتضي عزل القاضي وانعزاله.
المطلب السابع: آداب القاضي، وما يجوز له، ويمتنع عليه.
المطلب الثامن: سيرة القاضي مع الخصوم.
المحاضرة الثالثة:
المطلب التاسع: صفة القضاء، وإجراءات التقاضي.
المطلب العشر: تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها.
المحاضرة الرابعة:
المطلب الحادي عشر: التعريف بالمدعي والمدعى عليه، والشروط المعتبرة فيهما، والمدعى به، وشروطه.
المطلب الثاني عشر: مكان نظر الدعوى، وحضور الخصوم وغيابهم، وتلقين الدعوى، وتصحيحها، وأحوال جواب المدعى عليه، ودفع الدعوى وشروطه.
المحاضرة الخامسة:
المطلب الثالث عشر: وسائل الإثبات المعاصرة وغير المعاصرة إجمالاً.
المطلب الرابع عشر: تفصيل أحكام الشهادة.
المحاضرة السادسة:
المطلب الخامس عشر: تفصيل أحكام اليمين.
المحاضرة السابعة:
المطلب السادس عشر: تعريف الحكم القضائي، وشروط صحته، وبيان آثاره، وأسباب بطلانه، ومسوغات بطلانه والرجوع عنه.
المطلب السابع عشر: نفاذ الحكم القضائي ظاهراً وباطناً
المطلب الأول: تعريف القضاء لغة واصطلاحاً.................................................................5
المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والفتوى والتحكيم.....................................................................6
المطلب الثالث: حكم تولي القضاء..........................................................................8
المطلب الرابع: شروط تولي القضاء ما يعتبر في القاضي من الشروط (شروط القاضي) ..............................................9
المطلب الخامس: اختصاصات القاضي، وواجباته وحقوقه، وسيرته في قضائه..........................................................21
المطلب السادس: الأسباب التي تقتضي عزل القاضي وانعزاله.......................................................................26
المطلب السابع: آداب القاضي، وما يجوز له، ويمتنع عليه.....................................................................27
المطلب الثامن: سيرة القاضي مع الخصوم.................................................................30
المطلب التاسع: صفة القضاء، وإجراءات التقاضي........................................................................31
المطلب العشر: تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها.......................................................35
المطلب الحادي عشر: التعريف بالمدعي والمدعى عليه، والشروط المعتبرة فيهما، والمدعى به، وشروطه...........................39
المطلب الثاني عشر: مكان نظر الدعوى، وحضور الخصوم وغيابهم، وتلقين الدعوى، وتصحيحها، وأحوال جواب المدعى عليه، ودفع الدعوى وشروطه......................................................................41
المطلب الثالث عشر: وسائل الإثبات المعاصرة وغير المعاصرة إجمالاً......................................................................46
المطلب الرابع عشر: تفصيل أحكام الشهادة.........................................................................58
المطلب الخامس عشر: تفصيل أحكام اليمين.............................................................................60
المطلب السادس عشر: تعريف الحكم القضائي، وشروط صحته، وبيان آثاره، وأسباب بطلانه، ومسوغات بطلانه............65
المطلب السابع عشر: نفاذ الحكم القضائي ظاهراً وباطناً...........................................................................69
]]>النظام القضائي في الإسلام
جمع وترتيب: أشرف بويري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى أله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فهذا بحث في علم القضاء جمعت جمعته من عدة كتب وكان مقررا علينا في الجامعة، واتبعت الخطة التالية في الكتابة
تعريف القضاء 6
الفرق بين القضاء والإفتاء والتحكيم. 6
حكم تولي القضاء 7
شروط تولي القضاء: 7
الجلسة الثانية اختصاصات القاضي 15
واجبات القضاة: 16
حقوق القاضي: 16
سيرته في القضاء 16
أسباب عزل القاضي وانعزاله: 17
آداب القاضي: 17
سيرته مع الخصوم: 19
الجلسة الثالثة: صفة القضاء واجراءات التقاضي 22
تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، واركانها وشروطها وأنواعها 27
دليل مشروعية الدعاوي 27
أركانها 28
شروطها 28
أنواعها 29
الجلسة الرابعة : تعريف المدعي والمدعى عليه: 31
وشروطهم. 32
تعريف المدعى به وشروطه 33
شروطه: 33
مكان نظر الدعوى 33
حضور الخصوم وغيابهم 34
تلقين الدعوى وتصحيحه 35
أحوال جواب المدعى عليه 35
دفع الدعوى وشروطه 36
أنواع دفع الدعوى: الدفع خمسة أنواع 36
الجلسة الخامسة : وسائل الإثبات في القضاء 37
وسائل غير معاصرة 37
الوسيلة الثانية من وسائل الإثبات: البينة 38
الوسيلة الرابعة: يمين المدعي 38
الوسيلة الخامسة من وسائل الإثبات 39
الوسيلة السادسة: القسامة 39
تعريف القسامة عند العلماء 40
دليل مشروعيتها عند القائلين بها: 40
هل يحلف النساء والصبيان 40
متى تجب القسامة 41
وسائل الإثبات المعاصرة 42
الأولى : تحاليل الدم 42
الثانية : الفحوصات الجينية 42
الثالثة: البصمات 43
تفصيل أحكام الشهادة 43
حكمة تشريع الشهادة 44
شروط العدالة في الشهادة 45
حكم الشهادة 46
و شروط الشهادة 46
أداء الشهادة 46
نصاب الشهادة 48
مدرك العلم الذي تقع به الشهادة اثنان 48
شهادة الأعمى 49
حكم الرجوع عن الشهادة وما يترتب على ذلك 49
رجوعهم عن الشهادة قبل الحكم 50
رجوعهم عن الشهادة بعد الحكم وقبل استيفاء الحق 50
الجلسة السادسة: تفصيل أحكام اليمين 52
الشروط العامة لليمين 52
أنواع اليمين 52
هل يقضى بشاهد ويمين 53
مسألة نكول المدعى عليه: 55
إذا نكل المدعي أيضا 56
يكفي في اليمين الحلف بالله، أو صفة من صفاته 56
تغليظ الحلف بالمكان والزمان 56
مسألة تحليف الكافر 57
تغليظ اليمين على غير المسلمين: 58
هل يحلف القاضي من لا يعتقد بوجود الله تعالى: 58
هل المعتبر في اليمين نية القاضي أو الحالف 58
لا يستحلف القاضي أحدا بالطلاق 58
فوائد اليمين: 58
اليمين لا تسقط الحق: 59
ما يصح الاستحلاف فيه وما لا يصح 59
تنقسم الحقوق إلى قسمين 59
وتنقسم حقوق الله تعالى إلى قسمين: 59
أقسام حقوق الآدميين 60
الجلسة السابعة: تعريف الحكم القضائي 63
شروط صحته 63
وبيان آثاره 63
أسباب بطلانه: 64
مسوغات نقض الحكم القضائي 64
الرجوع عنه 65
تفصيل مسألة نفاذ الحكم القضائي ظاهرا وباطنا 67
مسألة هل حكم القاضي ينفذ في الباطن إذا أخطأ في سبب الحكم 67
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز؛ وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله؛ وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة؛ ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة خالصة أخلص من الذهب الإبريز، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، شهادة يكون صاحبها في حرز حريز أما بعد:
فإن الله تعالى أكمل بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - دينه القويم وهدى به من شاء إلى الصراط المستقيم، وأسس شرعه المطهر على أحسن الطرائق وأحكم القواعد وشيده بالتقوى والعدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، وأيده بالأدلة الموضحة للحق وأسبابه المرشدة إلى إيصال الحق لأربابه، وحماه بالسياسة الجارية على سنن الحق وصوابه، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115] فالمراد بالكلمات القرآن العظيم الذي تمت دلائله وحججه وأوامره ونواهيه وأحكامه وبشارته ونذارته وأمثاله وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] الآية.
ولما كان علم القضاء من أجل العلوم قدرا وأعزها مكانا وأشرفها ذكرا؛ لأنه مقام عليّ ومنصب نبويّ، به الدماء تعصم وتسفح، والأبضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها ويسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب، وكانت طرق العلم به خفية المسارب مخوفة العواقب، والحجاج التي يفصل بها الأحكام مهامه يحار فيها القطا ويقصر فيها الخطى، كان الاعتناء بتقرير أصوله وتحرير فصوله من أجل ما صرفت له العناية وحمدت عقباه في البداية والنهاية([1]).
ولما كانت مادة النظام القضائي في الإسلام من ضمن مقررات الفصل الثالث، وبعد عرض المادة العلمية من دكتور المادة، كان المطلوب منا جمع مادة علمية في موضوعات المقرر، تطرح تباعا ويتم مناقشتها أسبوعيا، وهي كالآتي:([2]).
ولما كانت البشرية على مر العصور ينوبها من الصراعات والنزاعات، في الأموال والأعراض والأنفس، وتحتاج في كل ذلك إلى حل لهذه النزاعات التي تنشأ بينها، فاتخذت كل أمة منهجا للفصل بينها في القضاء لحل هذه النزاعات، وقد قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأثنا عشر مطلبا، وهذا سردها:
المقدمة: وفيها لمحة عن علم القضاء، وخطة البحث.
التمهيد: مراحل تطور نظام القضاء على مر الزمن.
المطلب الأول: تعريف القضاء لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والإفتاء والتحكيم
المطلب الثالث: حكم تولي القضاء
المطلب الرابع: شروط تولي القضاء.
المطلب الخامس: اختصاصات القاضي، وواجباته، وحقوقه، وسيرته في قضائه:
المطلب السادس: الأسباب التي تقتضي عزله وانعزاله.
المطلب السابع: آداب القاضي، وما يجوز له، وما يمتنع عليه، وسيرته مع الخصوم.
المطلب الثامن: صفة القضاء وإجراءات التقاضي.
المطلب التاسع: تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها.
المطلب العاشر: التعريف بالمدعي والمدعى عليه، والشروط المعتبرة فيهما، والمدعى به، وشروطه.
المطلب الحادي عشر: مكان نظر الدعوى، وحضور الخصوم وغيابهم، وتلقين الدعوى، وتصحيحها، وأحوال جواب المدعى عليه، ودفع الدعوى، وشروطه.
المطلب الثاني عشر: تفصيل أحكام اليمين
المطلب الثالث عشر: تعريف الحكم القضائي، وشروط صحته، وبيان آثاره، وأسباب بطلانه، ومسوغات نقضه والرجوع عنه.
المطلب الرابع عشر: تفصيل نفاذ الحكم القضائي ظاهرا وباطنا.
الخاتمة: وفيها:
فهرس المحتويات
فهرس المصادر والمراجع.
]]>الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز؛ وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله؛ وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة؛ ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة خالصة أخلص من الذهب الإبريز، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، شهادة يكون صاحبها في حرز حريز أما بعد:
فإن الله تعالى أكمل بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - دينه القويم وهدى به من شاء إلى الصراط المستقيم، وأسس شرعه المطهر على أحسن الطرائق وأحكم القواعد وشيده بالتقوى والعدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، وأيده بالأدلة الموضحة للحق وأسبابه المرشدة إلى إيصال الحق لأربابه، وحماه بالسياسة الجارية على سنن الحق وصوابه، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115] فالمراد بالكلمات القرآن العظيم الذي تمت دلائله وحججه وأوامره ونواهيه وأحكامه وبشارته ونذارته وأمثاله وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] الآية.
ولما كان علم القضاء من أجل العلوم قدرا وأعزها مكانا وأشرفها ذكرا؛ لأنه مقام عليّ ومنصب نبويّ، به الدماء تعصم وتسفح، والأبضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها ويسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب، وكانت طرق العلم به خفية المسارب مخوفة العواقب، والحجاج التي يفصل بها الأحكام مهامه يحار فيها القطا ويقصر فيها الخطى، كان الاعتناء بتقرير أصوله وتحرير فصوله من أجل ما صرفت له العناية وحمدت عقباه في البداية والنهاية([1]).
ولما كانت مادة النظام القضائي في الإسلام من ضمن مقررات الفصل الثالث، وبعد عرض المادة العلمية من دكتور المادة، كان المطلوب منا جمع مادة علمية في موضوعات المقرر، تطرح تباعا ويتم مناقشتها أسبوعيا، وهي كالآتي:([2]).
ولما كانت البشرية على مر العصور ينوبها من الصراعات والنزاعات، في الأموال والأعراض والأنفس، وتحتاج في كل ذلك إلى حل لهذه النزاعات التي تنشأ بينها، فاتخذت كل أمة منهجا للفصل بينها في القضاء لحل هذه النزاعات، وقد قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأثنا عشر مطلبا، وهذا سردها:
المقدمة: وفيها لمحة عن علم القضاء، وخطة البحث.
التمهيد: مراحل تطور نظام القضاء على مر الزمن.
المطلب الأول: تعريف القضاء لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والإفتاء والتحكيم
المطلب الثالث: حكم تولي القضاء
المطلب الرابع: شروط تولي القضاء.
المطلب الخامس: اختصاصات القاضي، وواجباته، وحقوقه، وسيرته في قضائه:
المطلب السادس: الأسباب التي تقتضي عزله وانعزاله.
المطلب السابع: آداب القاضي، وما يجوز له، وما يمتنع عليه، وسيرته مع الخصوم.
المطلب الثامن: صفة القضاء وإجراءات التقاضي.
المطلب التاسع: تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها.
المطلب العاشر: التعريف بالمدعي والمدعى عليه، والشروط المعتبرة فيهما، والمدعى به، وشروطه.
المطلب الحادي عشر: مكان نظر الدعوى، وحضور الخصوم وغيابهم، وتلقين الدعوى، وتصحيحها، وأحوال جواب المدعى عليه، ودفع الدعوى، وشروطه.
المطلب الثاني عشر: تفصيل أحكام اليمين
المطلب الثالث عشر: تعريف الحكم القضائي، وشروط صحته، وبيان آثاره، وأسباب بطلانه، ومسوغات نقضه والرجوع عنه.
المطلب الرابع عشر: تفصيل نفاذ الحكم القضائي ظاهرا وباطنا.
الخاتمة: وفيها:
فهرس المحتويات
فهرس المصادر والمراجع.
المحتويات
المطلب الأول: تعريف القضاء لغة واصطلاحا9
المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والإفتاء والتحكيم14
أولا: الفرق بين القضاء والفتيا:14
المطلب الثالث: حكم تولي القضاء. 16
المطلب الرابع: شروط تولي القضاء. 18
المطلب الخامس: اختصاصات القاضي، وواجباته، وحقوقه، وسيرته في قضائه:25
الفرع الثاني: واجبات القاضي:26
الفرع الرابع: سيرته في قضائه:29
المطلب السادس: الأسباب التي تقتضي عزله وانعزاله30
المطلب السابع: آداب القاضي، وما يجوز له، وما يمتنع عليه، وسيرته مع الخصوم31
الفرع الثاني: ما يجوز للقاضي. 32
الفرع الثالث: ما لا يجوز له. 33
الفرع الرابع: سيرته مع الخصوم34
المطلب الثامن: صفة القضاء وإجراءات التقاضي. 35
المطلب التاسع: تعريف الدعوى وبيان مشروعيتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها36
الفرع الثاني: تعريف الدعوى في الاصطلاح. 37
الفرع الرابع: أركان الدعوى. 40
الفرع السادس: أنواع الدعوى. 43
المطلب العاشر: التعريف بالمدعي والمدعى عليه، والشروط المعتبرة فيهما، والمدعى به، وشروطه.44
الفرع الأول: التعريف بالمدعي، والمدعى عليه. 44
الفرع الخامس: شروط المدعى عليه.1
الفرع الأول: مكان نظر الدعوى. 2
الفرع الثاني: حضور الخصوم وغيابهم4
الفرع الخامس: أحوال جواب المدعى عليه.7
الفرع السابع: شروط دفع الدعوى.9
المطلب الثاني عشر: وسائل الإثبات المعاصرة وغير المعاصرة إجمالا:9
الفرع الثاني: شروط الإثبات. 11
أولا: وسائل الإثبات غير المعاصرة:12
ثانيا: وسائل الإثبات غير المعاصرة():19
أولا: القضاء بقرينة المستندات الخطية: وتتضمن ما يلي:19
آثار الروائح ومدى الاعتماد عليها في إثبات الجريمة أو نفيها.20
المطلب الحادي عشر: تفصيل أحكام الشهادة:21
المسألة الثانية: الأثر المترتب على الشهادة(حكم الشهادة):24
المسألة الثالثة: نصاب الشهادة25
المسألة الخامسة: الإثبات بالشاهد واليمن. 28
المسألة الثامنة: شهادة النساء منفردات.. 28
المسألة السادسة: الحالات التي يجوز فيها شهادة النساء. 30
المطلب الثاني عشر: تفصيل أحكام اليمين. 31
الفرع الأول: تعريف اليمن لغة واصطلاحا31
الفرع الثاني: مشروعية اليمين. 33
الفرع الثالث: الحكمة من مشروعيتها34
أولا: عند الفقهاء بصفة عامة:34
الفرع الخامس: النية في اليمين لها حالتان:38
الفرع التاسع: حكم القضاء بالنكول. 42
مسألة: حقيقة القضاء باليمين المردودة:43
الفرع العاشر: طرق تحليف المعذور عن الحضور إلى مجلس الحكم لأداء اليمين:44
الفرع الحادي عشر: شروط القضاء بالنكول عن اليمين:44
الفرع الأول: تعريف الحكم القضائي. 46
الفرع الرابع: أسباب بطلان الحكم القضائي. 52
الفرع الخامس: مسوغات نقضه والرجوع عنه. 55
]]>ماتت السنّة في هذي البلاد*** قُبِر العلم وساد الجهل ساد
وفشا داء اعتقادٍ باطل ***في سهول القطر طُرًّا والنِّجاد
عبد الكلُّ هواء شيخه ***جدّه ، ضلّوا وضلّ الاعتقاد
حكّموا عاداتِهم في دينهم *** دون شرع الله إذْ عمَّ الفساد
لستُ منهم لا ولا منيّ همُ *** ويْلهم يا ويلهم يومَ المعاد
يوم يأتي الخلقُ في الحشر وقد *** نُشِروا نشر فراش وجراد
يوم لا تنفعهم معذرة *** ولظى مأواهم بئس المهاد
يصهر الساكن في أطباقها *** كلما أحرق منه الجلد عاد
وكّل الله بمن حل بها *** جمع أملاك غلاظ وشداد
أكلهم فيها ضريع شربهم *** من حميم لبسهم فيها سواد
كلّما فكرت في أمرهم *** طال حزني وتغشاني السهاد
أيها الأقوام إن تبغوا الهدى *** مالكم والله غير العلم هاد
إنني أنصحكم نصح امرئ *** ماله غير التقى والخوف زاد
كلما ينقص يوما عمره *** خوفه من هول يمو الحشر زاد
مازرعتم في غد تلقونه ** ليس يجدي ندما يوم الحصاد
أيها السائل عن معتقدي *** يبتغي مني ما يحوي الفؤاد
إنني لست ببدعي ولا *** خارجي دأبه طول العناد
يحدث البدعة في أقوامه *** فتعم الأرض نجدا ووهاد
ليس يرض الله من ذي بدعة *** عملا إلا تاب وهاد
لست ممن يرتضي في دبنه *** ما يقول الناس زيد أو زياد
بل أنا متبع نهج الألى *** صدعوا بالحق في طرق الرشاد
حجتي القرآن فيما قلته *** ليس لي إلا على ذاك استناد
وكغا ما سنه خير الورى *** عدتي وهو سلاحي والعتاد
وبذا أدعو إلى الله ولي *** أجر مشكور على ذاك الجهاد
منكم لا أسأل الأجر ولا *** أبتغي شكركم بله الوداد
مذهبي شرع النبي المصطفى *** واعتقادي سلفي ذو سداد
خطتي علم وفكر نظر *** في شؤون الكون بحثا واجتهاد
وطريق الحق عندي واحد *** مشربي مشرب قرب لا ابتعاد
لا أرى الأشياخ في قبضتهم *** كلّ شيئ بل هم مثل العباد
وعلى من يدعي غير الذي *** قلته إثبات دعوى الاتحاد
قال قوم : سلم الأمر لهم *** تكن السابق في يوم الطراد
تنل المقصود تحظى بالمنى *** وترى خيلك في الخيل الجياد
قلت إني مسلم يا ويحكم *** ليس لي إلا إلى الشرع انقياد
قولكم هذا هراء أصله *** ماروت هند وماقالت سعاد
أنا لا أسلم نفسي لهم *** لا ولا ألقي إليهم بالقياد
لست أدعوهم كما قلتم وقد *** عجزوا عن طرد بقّ أو قراد
لست من قوم على أصنامهم *** عكفوا يدعونها في كل واد
كلم أنشد شاد فيهم *** قول شرك ذهبوا في كل واد
كم بنوا قبرا وشادوا هيكلا *** وصروح الغي بالجهل تشاد
غرهم من داهنوا في دينهم *** وارتضوا في سيرهم ذر الرماد
إنني ألعنهم مما بدا ***حاضرٌ في إفكه منهم وباد
وأنا خصم لهم أنكرهم *** كيف ما كانوا جميعا أو فراد
علمونا طرق العجز وما *** منهم من لسوى الشر أفاد
طالما جد الورى في سيرهم *** وهم كم صهم طول الرقاد
إن سادات الورى قادتهم *** بعلوم ما حدا بالركب حاد
وهم ردئي وعوني نصرتي *** ووقائي ما اعتدت تلك العواد
تلكم السادة ما صدهم *** عن هوى دينهم في الحق صاد
لست أدعو غير ربي أحدا *** وهوسؤلي وملاذي والعماد
وله الحمد فقد صيرنا *** بالهدى فوق نزار وإياد
فاعبدوا ما شئتم من دونه *** ما عناني منكم ذاك العناد
لست منقادا إلى طاغوتكم *** بظبي البيض ولا السمر الصعاد
لم أطف قط بقبر لا ولا *** أرتجي ما كان من نوع الجماد
لست أكسو بحرير جدثا *** نُخرت أعظمه من عهد عاد
لا أشد الرحل أبغي حجه *** قربة تنفعني يوم التناد
حالفا كل يمين إنه *** سوف يقضي حاجتي ذاك الجواد
لا أسوق الهدي قربانا له *** " زردة " يدعونها أهل البلاد
وفراري كلما أفضعني *** حادث يلبسني ثوب الحداد
للذي اطلب رزقي دائما *** منه إدذ ليس لما يعطي نفاذ
وإذا زرت أزر معتبرا *** بقبور مات من فيها وباد
داعيا ربي لهم مستغفرا *** راجيا لكل في الخير ازدياد
والذي مات هو المحتاج لي *** هكذا أقضي ولا أخشى انتقاد
لا أنادي صاحب القبر أغث *** أنت قطب أنت غوث وسناد
قائما أو قاعدا أدعو به *** إن غا عندي شرك وارتداد
لا أناديه ولا أدعو سوى *** خالق الخلق رؤوف بالعباد
من له أسماؤه الحسنى وهل *** أحد يدفع ما الله أراد
مخلصا ديني له ممتثلا *** أمره لا أمر من زاغ وحاد
حسبي الله وحسبي قربه *** علهمه رحمته فهو المراد
المصدر : جريدة المنتقد العدد الثامن الصفحة الأولى
]]>اسمه و نسبه :
هو أبو يعلى الزواوي ، نسبة إلى الزواوة ،و اشتهر بهذا ، و اسمه الحقيقي سعيد بن محمد الشريف بن العربي بن يحي بن الحاج من آيت سيدي محمد الحاج بزواوة .
مولده و نشأته:
ولد أبو يعلى الزواوي عام 1862 م بقرية تدعى " إغيل إنزكري"، و هذه القرية غير قريته الأصلية ،و إنما انتقل إليها أبوه بعد أن عُين إماما لمسجدها و بها تزوج ، فأمه منهم و كانوا من الشرفاء و من أهل الخير و الكرم.و أما قريه أبيه و جده فتسمى "تفرث نيث الحاج" و تقع على سفح جبل "تامقوت "الشامخ في دائرة عزازقة بـ "تيزي وزو"،و معناها بالعربية ، كما شرحها هو في كتابه " جماعة المسلمين " [ص:34]:" عرين ذوي الحاج" و العرين في اللغة العربية مأوى الأسد .
و هي قرية ذات طبيعة خلابة ، و أشجار كثيفة و مياه عذبة ،و كان يضرب بها المثل في العناية بالقرآن و حفظه، وقد ذكر أبو يعلى نفسه أن نسبة تسعين بالمائة منهم يحفظون القرآن ،منهم الفلاح و الراعي و العامل ، و هذا على خلاف ما كانت عليه بعض القرى المجاورة ، حيث لا يقرأ عندهم إلا المرابطون و الشرفاء،و هذه مشابهة لقضية الإفرنج و النصارى لا يقرأ التوراة و الإنجيل إلا الرهبان و الملوك.
نشأته العلمية :
تتلمذ أبو يعلى الزواوي على يد والده ، فأخذ عنه الفقه و القراءات و النحو ، ثم زاول تعليمه بزاوية عبد الرحمن الأيلولي الكائنة بمنطقة " عزازقة" ، و لم يكن راضيا على طريقة و نوعية التعليم فيها ، مؤيدا في ذلك رأي شيخه محمد بن زكري مفتي الجامع الأعظم، الذي درس بالزاوية نفسها ، و قضى فيها عشر سنوات دون أن يستفيد شيئا حيث دخلها حافظا للقرآن الكريم كما يقول و خرج منها حافظا للقرآن.
و الذي يظهر أن أبا يعلى الزواوي ـ و من خلال بعض مؤلفاته ـ قد بذل جهدا لا يستهان به في تحصيل العلم و بناء ثقافته من خلال مطالعته لكتب كثيرة ذكرها في ثنايا تآليفه ، يشهد لذلك أسلوبه البديع و بيانه الساحر في كتاباته ، لا سيما خطبه التي كانت في معظمها مرتجلة .
و كان إلى جانب ثقافته العربية و شغفه بلغة العرب و آدابها ، و اعتزازه بعلوم الشريعة ـ من فقه و توحيد و حديث و تفسير و تمكنه منها ـ عارفا باللغة الفرنسية تعلمها على يد مدير السجن الذي كان أبو يعلى يعلمه اللغة العربية ، حيث حكم عليه السجن لمدة سبع سنوات بسبب حادثة وقعت له في شبابه .
و بما أن أبا يعلى من منطقة الزواوة ، و يتكلم بلسانها ، فقد أرخ للمنطقة بأن ألف كتابا أسماه " تاريخ الزواوة " نشره في دمشق عام 1924 م ، خلص فيه إلى كون البربرية حميرية الأصل ، و له في ذلك استشهادات لغوية و تاريخية ،و هذا مما يثبت أن له انشغالا و اهتماما باللغات و اللهجات ، و قد كتب فعلا مقالات في التعريف بلغة البربر و قواعدها و نحوها و نشرها في المجلة السلفية بمصر بطلب من الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله .
و مما زاده تمكنا و تبصرا بأحوال أمته الدينية و السياسية و الاجتماعية ، و سيما بفكره إلى الاشتغال و الاهتمام بقضايا بلده سفره إلى الشام ثم إلى مصر و التقاؤه بالعديد من رجالات الإصلاح و أصحاب الفكر و السياسة .
أقرانه و شيوخه :
ذكر معظمهم هو بنفسه في مؤلفاته المطبوعة، و نذكر منهم جملة عل سبيل المثال خاصة ألئك الذين تأثر بهم :
أعماله و وظائفه :
تقلد أبو يعلى مناصب عديدة في حياته بحكم ثقافته المزدوجة إن صح التعبير ، فقد عين كاتبا بالقنصلية الفرنسية بدمشق و عمل بها إلى حوالي 1915 م ، أرسلته فرنسا إلى سوريا طمعا منها في أن يقوم بإقناع الجزائريين المقيمين هناك بالتجنس لتفادي رجوعهم إلى أرض الوطن خوفا من حمل الأفكار التحريرية التي قد ظهرت بالشام، و مقابل ذلك وعدته فرنسا بمنصب الإفتاء إذا رجع إلى الجزائر .
و من خلال إقامته بسوريا اتصل بالعديد من الشخصيات و الكتاب و الأدباء و السياسيين والصحفيين ، و أقام علاقات معهم ،و أسهم بمقالاته في بعض الصحف و المجلات ، ثم انتقل إلى القاهرة بسبب وقوع الحرب العالمية ، وهناك التقى بالشيخ طاهر الجزائري ، وكثف نشاطه بمصر و تعرف بالعديد من إخوانه الطلبة الجزائريين وواصل مشاركته في تحرير المقالات معرفا بالجزائر و تاريخها و واصفا أحوالها المزرية و كانت له فعلا إسهامات تمثلت في نشر مقالات من جريدة "البرهان " التي كان يصدرها الشيخ عبد القادر المغربي ، و في المجلة السلفية بمصر أيضا.
و مما يلفت الانتباه أن الشيخ أبا يعلى انتقد المشارقة و هو فيهم لقلة اهتمامهم بأحوال المغرب العربي.، و عند عودته إلى الجزائر سنة 1924 م بقي بنفس الهمة العالية و الروح الأبية ، يكتب و ينتقد،و يكافح و ينافح بقلمه السيال و فكره الجوال ،فكتب في صحيفة "صدى الصحراء " التي كانت تصدر ببسكرة [جنوب الجزائر]على غرار زملائه كالطيب العقبي و الشاعر محمد العيد و محمد الأمين العمودي ، كما شارك في جريدة " الثمرة الأولى" التي كان يصدرها طلبة الجزائر في تونس .
و من الوظائف التي أسندت إليه و كان لها أهلا تعيينه إماما بمسجد "سيدي رمضان " بالجزائر العاصمة ،حيث تولى الخطابة فيه من سنة [1920م إلى سنة 1952م و هو تاريخ وفاته ]، و كان يعتبر ذلك من منن الله عليه .
و قد كان ـ رحمه الله ـ خطيبا مفوها ، يرتجل الخطب ، و يبلغ مقصده من إبلاغ السامع و الأخذ بمجامع القلوب ، و قد شهد له بذلك كثيرون منهم أحمد توفيق المدني الذي قال عنه :" و أشهد أنه قد كان لتلك الخطب الأثر الفعال في النفوس"، و قبل ذلك قال عنه :"أخرج الخطب المنبرية من صيغتها التقليدية العتيقة إلى صيغة قومية مفيدة ،فهو يخطب للعامة ارتجالا في مواضع إسلامية محلية مفيدة ، و يعتبر خطابه درسا بحيث لا ينتهي منه إلا و قد اعتقد أن كل من بمسجد " سيدي رمضان " من رجال و نسوة قد فهموا جيد الفهم خطابه ".
و قد جدد طريق السلف في الخطابة ، فالتزم أن تكون الخطبة من إنشائه هو لا من إنشاء الآخرين ، و دون ورقة ، أي ارتجالا ، ثم بدا له بعد ذلك أن يدون خطبه لكيلا يقال عنه إنه سرقها من غيره و حفظها.
و من الأعمال العظيمة والوظائف الشريفة التي لم يفوتها أبو يعلى على نفسه رئاسته لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، حيث عين رئيسا للجمعية العمومية المكلفة بوضع القانون الأساس للجمعية ،و قد حضرها اثنان و سبعون من علماء القطر الجزائري و طلبة العلم ،اجتمعوا بنادي الترقي بعاصمة الجزائر لتعيين الأعضاء الأساسيين المكونين لجمعية العلماء الجزائريين ،و هذه الرئاسة ، و إن كانت مؤقتة انتهت بانتهاء أشغال التأسيس إلا أنه تعد حدثا له قيمته و وزنه في حياة الشيخ أبو يعلى الزواوي .
إضافة إلى هذه الأعمال كلها ،فإنه كان مجيدا للخط العربي و له فيه رسالة ،و كان ينسخ المصاحف و يحفظها ، و قد ورث ذلك عن أبيه ، جمع في خطه بين الروح الجزائرية و التعربقة الشرقية ، رغم قوله أنه تأثر بالخط الفاسي الموروث عن الأندلس .
و لتفننه و إتقانه للخط ، أعجب به كثيرون، و مدحه بشير الرابحي بقصيدة على خطه في المصحف الشريف.
مؤلفاته و آثاره العلمية:
ترك أبو يعلى الزواوي آثارا علمية نافعة ضمنها خلاصة ما يؤمن به من أفكار ، وما كان يطمح إليه من مشاريع جادة تخدم بالدرجة الأولى دينه و لغته العربية ، و رغم أن جل هذه المؤلفات جاءت في شكل كتيبات أو رسائل مختصرة إلا أنها حوت في مضامينها ذلك البعد العميق في تفهم قضايا أمته عامة و التثبيت الوثيق بمكونات شخصية الأمة الجزائرية خاصة ،ساعده في ذلك روعة أسلوبه و انتظام أفكاره و كثرة استدلالاته بالنصوص الشرعية في كتاباته الدينية و استعماله ـ و هذا لفرط ذكائه و نباهته ـ لألفاظ و مصطلحات يمرر من طريقها أفكاره و يبرز فيها طموحه ، و يختصر بها أقواله و يعالج من خلالها الأدواء و الأمراض التي شخصها بنفسه ، و خير مثال لذلك تسميته لكتابين ألفهما و أبدع فيهما ،أطلق على أحدهما "الإسلام الصحيح" تميزا له عن الإسلام الذي سماه العلامة الإبراهيمي بالإسلام الوراثي ، و أطلق على الآخر" جماعة المسلمين"تحرضا منه على لم شعث الأمة و استقلالها بنفسها دون تدخل أو وصاية من المستعمر .
و هذه نبذة مختصرة عن بعض مؤلفاته :
أولاـ" كتاب الإسلام الصحيح ":و طبعه في مطبعة المنار بمصر سنة 1345هـ بعد رجوعه إلى الجزائر ، و جعله في شكل سؤال و جواب .
ثانيا ـ " جماعة المسلمين ":و هو عبارة عن رسالة مطولة في شأن جماعة المسلمين و معناها في الفقه المالكي و في أصلها في الأحاديث الصحيحة [1] .
و قد قرض كتابه هذا الشيخ الطيب العقبي ـ رحمه الله ـ و ذكر في تقريضه اثنا عشر بيتا ،نقلها أبو يعلى إلى كتابه " جماعة المسلمين "[ص:47] و مطلع هذه الأبيات :
أبو يعلى إمام الحق فينا ~~~و شيخ في شباب المصلحينا
ثالثا ـ تاريخ الزواوة :و حدد خطوطه العريضة سنة 1912م و كتبه سنة 1918م و هو في القاهرة و نشره في دمشق سنة 1924م[2] .و طبع الآن بمراجعة و تعليق سهيل الخالدي من منشورات وزارة الثقافة .
و ذكر أبو يعلى أن له كتابا بعنوان :" أصل البربر بزواوة "، بين فيه أن أصل البربر من حمير ، و أنهم عرب قحطانيون أو عرباء، و هل هو نفس الكتاب الأول أم هو كتاب آخر ؟[3]
رابعا ـ الخطب :جمع فيه خطبه ، و كان ذلك سنة “1343هـ الموافق ل1924م [ طبع باستيد جوردان ـ كاربونيل1343هـ ] يحتوي على 78 صفحة .
خامسا ـ فصول في الإصلاح [4] :ذكره ضمن كتابه " الخطب " و " تاريخ الزواوة ".
سادسا ـ " الخلافة قرشية " :و الكتاب لم يطبع إلى الآن [5].
سابعا ـ " أسلوب الحكيم في التعليم ":ذكره أبو يعلى في بعض كتبه و الظاهر أنه غير مطبوع [6] .
ثامنا ـ " الفرق بين المشارقة و المغاربة في اللغة العربية و غيرها " :و قد ذكره بنفسه في مؤلفاته [7]
تاسعا ـ " ذبائح أهل الكتاب " :ذكره ظمن كتابه "الخطب " و غالب الظن أنه لم يطبع[8]
عاشرا ـ " مرآة المرأة المسلمة " :و قد ذكر مؤلفه أنه يقع في حدود 200 صفحة ضمته آراءه في المرأة ، مبطلا عادات بني قومه في عدم توريثها ، ومنع نظر الخاطب إليها ، ومناديا بضرورة تربيتها ة تعليمها .[9]
حادي عشر ـ " الكلام في علم الكلام ":و قد أشار إليه في "مجموع مؤلفاته " و يجهل هل طبع أم لا [10].
هذا و قد ألف أبو يعلى الزواوي كتبا صغيرة الحجم في قضايا مهمة لها صلتها الوثيقة بالأمة و المجتمع في تلك الحقبة مصححا للمفاهيم و مدافعا عن معالم الشخصية الإسلامية ، و مساندا للإصلاح و داعيا تطهير المعتقدات و السلوكات من الشوائب و البدع و الخرافات [11] .
عقيدته و منهجه:
المتتبع لمقالات الشيخ أبي يعلى الزواوي يجد اهتماما بالغا بالموضوعات التي كانت ترتبط بحياة الأمة بتلك الحقبة ، و بالأوضاع المزرية التي آل إليها حال الأمة الجزائرية خاصة ، من انتشار البدع و الخرافات و و فساد الاعتقادات و سوء الأخلاق و تحكم الجهال و إقامة أعراس الشيطان التي كانت تشد إليها الرحال من كل مكان ، و يقع فيها من المنكرات و الفضائح و الرذائل ما يستحي العاقل من ذكره .
فكان لزاما أن يقوم المصلحون و الغيورين على الدين و القيم بإصلاح ما فسد،و تقويم ما اعوج ،و إحياء ما مات من مقومات الدين و عقائده و شرائعه ،فانتدب لهذه المهمة الشاقةـ و كان لها أهلا ـ أبناء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، ومنهم الشيخ أبو يعلى الزواوي ـ رحمه الله تعالى ـ الذي كغيره من علماء الجمعيةـ بنى دعوته في الإصلاح و التغيير على الكتاب و السنة و الدعوة إلى منهج السلف الصالح و عقيدة أهل السنة و الجماعة، و حذر من مغبة الطرائق و المناهج المنحرفة و المخالفة لما كان عليه أهل الصدر الأول.
قال ـ رحمه الله ـ مشيدا بطريقة السلف في العقيدة و التوحيد: " إن خير طريقة في العقيدة التوحيدية طريقة السلف التي هي اتباع ما ثبت عن الله و عن رسوله من غير كثرة التأويل و الدخول في الأخذ و الرد من الجدل في المتشابه و إيراد الشبه و الرد عليها " [ "الاسلام الصحيح"(ص:14)]
و قال معتزا و مفصحا عن عقيدته و متبرئا من كل ما خالفها :" أما أنا و من على شاكلتي من إخوني الكثيرين فلا شريعة لنا و لا دين و لا ديوان إلا الكتاب و السنة و ما عليه محمد و أصحابه و عقيدة السلف الصالح أي فلا اعتزال و لا ماتريدي و لا أشعري و ذلك أن الأشاعرة تفرقوا و اختلفوا أي المتقدمون منهم و المتأخرون ، و وقعوا في ارتباك من التأويل و الحيرة في مسائل يطول شرحها لم تصف بعد فعلام؟و قل آمنت بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر ،كما قال تعالى:" قل الله ثم دعهم في خوضهم يلعبون "[91 العام] (الإسلام الصحيح ، ص94).
و أرجع سبب ترفق الأمة و تمزقها إلى تبني التعاليم و المذاهب المخالفة لمنهج الإسلام الصحيح و التغافل و التعامي عن منهج الفرقة الناجية التي هي أسعد الفرق بالاتباع و الإقتداء بسنة سيد الأنام صلى الله عليه و سلم ،فقال:" إن كثرة التفريق و الإختلاف في التعاليم الدينية مزق الأمة كل ممزق ،، وهذا مما أدركه كل مسلم جاهلا كان أو عالما ، فلزم إذن عدم التفريق و ذلك إنما يكون بتوحيد التعاليم قدما و حديثا و هذا أمر صعب و لكن على غير العاملين بحديث النجاة و هو قوله صلى الله عليه و سلم :" إلا واحدة و هي ما أنا عليه و أصحابي " فعلام نغفل هذا أو نتعامى و نعمل بمائة مذهب و بألف ملة و طريقة "[ الإسلام الصحيح،ص:117].
و الحقيقة أن الناظر في كتابات الشيخ أبي يعلى الزواوي لا يكاد يقرأ فقرة من فقرات مقاله إلا و ظهر له مدى اعتنائه بعقيدة السلف الصالح و رجوعه إليها وحسن دفاعه عنها و محاربته ما خالفها من العقائد المنحرفة و الباطلة ببيان عورها و تجلية حقائقها ليحذرها الناس كما يتجلى ذلك واضحا في كتابيه المشار إليهما في مطلع الحديث عن مؤلفاته .
نماذج من غرر أقواله و كتاباته :
و هي كثيرة مبثوثة في ثنايا تآليفه ممتعة في مضامينها و شيقة في أسلوبها ، حاكى فيها البلغاء و ألبسته حلية الفقهاء و هو فيها بين سابق مجتهد و بين متبع و مؤيد ، لكن دون تقليد أو محاكاة، إذ النهب و السلب ليس من شيمه و لذلك دون خطبه ، وهذا من قيمه و غليك بعض النماذج من أقواله على سبيل المثال:
أولا : افتتاحه كتاب "جماعة المسلمين " بخطبة الحاجة مشيدا بالاتباع و محذرا من الإبتداع فبعد نقله للخطبة :" إن الحمد لله نحمده و نستغفره و نتوب إليه ..."، قال:" لم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خطب بغير الحمد مستفتحا ، و لا كتاب بغير البسملة مبتدأ و لا قرأ بغير التعوذ تاليا ، فلنتمسك بهذا ، فعلام العدول عنه إلى جملة "الحمد لله وحده" الشهيرة في المغرب فنعما هي ، و لكنها من طرة دولة الموحدين و شعارهم و هي دولة كما علمنا أنها ذات زيغ و دانت بعصمة الإمام نزغة رافضية ، و المهدوية الكاذبة ، ومن جهل هذا فليراجع كتاب الاعتصام "[12] .
ثانيا : جوابه على من سأله :" كيف وقعت المغالطات و المنكرات المبتدعة في الدين الإسلامي ؟"،و بعد أن أرجع الأسباب إلى عاملين ، الأول : الجهل ، و الثاني ،دسائس أعداء الإسلام، ثم ذكر فضائح الرافضة و مكايد الباطنية ، و كشف عوارهم ،فقال:[13]
" فتأمل أيها السائل كيف وقعت هذه المنكرات التي أدهشتك ، و كيف سرت و تسربت إلى الأنام و امتزجت بالأجسام و هي أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين !و احذرهم أن يفتنوك عن الإسلام الصحيح و أصوله المعتبرة ، و إياك أن تلتزم مالا يلزم، أو، أن تسأل عن أشياء إن تبد لك تسؤك ، واعتبر قول أنس بن مالك المتقدم نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذلك معنى قوله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "[المائدة :101].
ثالثا : استنباطه معجزة للنبي عليه الصلاة و السلام:
قال ـ رحمه الله كما في كتابه " الإسلام الصحيح " [ص12]: كنا جلوسا ذات يوم في دار وطنينا الأمير عبد الله نجل الأمير عبد القادر الجزائري بالشام، وكان صديقنا العلامة الكاتب الشيخ محمد الخضر نجل السيد علي بن عمر حاضرا على سبيل الزيارة أيام العيد ، فتجاذبنا أطراف الحديث إلى أن أدى بنا إلى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم فاقتنع كل واحد منا بنوع من المعجزات الكثيرة الغرر فقلت لهم :إن من أعظم معجزاته صلى الله عليه و سلم التي بهرتني تصريحه "بأن لا نبي بعده" الثابت في "الصحيحين " و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم قد انفرد بهذا القول على إخوانه المرسلين الذين لا يحصون عدا و لم يقل أحد من الأنبياء بهذا ، فلولا أنه محقق أنه نبي و أنه من الله لما قال " لا نبي بعدي "و ذلك لأنه لم يضطره إلى ذلك القول شيء ، و لم يطالبه به أحد و أنه في وسعه أن لا يقول ذلك ، وأنه يسعه ما وسع الأنبياء قبله ، إذ لم يقولوا به ، ولم علم من نفسه أنه ليس بنبي مرسل ، ،ومؤيد من عند الله ، لما قال ذلك و هو الفطن الحذق ، و هذا أيضا عين برهان أن القرآن من عند الله كلامه جل شأنه و لو كان من تأليفه صلى الله عليه و سلم لما أثبت فيه " خاتم النبيين "لأنه أيضا غير مضطر إلى ذلك القول الذي لم يقله إخوانه الأنبياء الذين قبله ، ألا يسعه ما وسعهم ، لكنه لعلمه و تحققه أنه مرسل من عند الله صدع بما علم عن ربه فثبت ذلك ،أي أنه لا نبي بعده ، فاستحسن الحاضرون هذه النظرية و هذا الإستنباط ، و لما رجع صديقنا المذكور الشيخ محمد الخضر إلى تونس في سفرته الأولى غلى الشام كتب رحلته تلك في جريدة " الزهرة " و ذكر هذه الجملة باستحسان و بالله التوفيق لا رب غيره و نبينا لا نبي بعده " اهـ.
رابعا: و سئل ـ رحمه الله ـ عن دليل وجود الله و حال المنكر له ، فقال ضاربا مثالا فقال ضاربا مثلا رائعا واقعيا تهضمه الأفهام و لا تنكره الأسماع : " و أزيدك أيها السائل هنا برهانا أخر على وجوده لتكتفي و هو أن الخط في الكتابة يدل دلالة على الخطاط الكاتب، و مثل العبد الذي يعترف بالخط و الكتابة و ينكر وجود الخطاط الكاتب كمثل النملة التي تجري على قرطاس الكاتب ،فترى الخط و الكتابة و لا يمكن لها أن ترفع رأسها لترى الكاتب فتنكر وجوده لذلك و لكن لا يلتفت إليها ، وكثر هدا الضرب من الناس في هدا الزمن..."[14]
خامسا:في رده لكرامات الأولياء المزعومين المخالفين للشرع و افتتان العامة بها إلى حد جاوز المعقول و طغى على المنقول، مستعملا الأسلوب الساخر الموافق لعقولهم الهزيلة و معتقداتهم الهشة ، قال ـ رحمه الله ـ " واشتهر عندنا بقطر الجزائر المنور أن الشيخ السيد فلان أوقف السكة الحديدية عن المشي مشيرا إليها بان توقف فوقفت وان الشيخ فلان كان يصلي و صدر الأمر إلى سائق السكة الحديدية بالمسير فلم يعمل الميكانيكي و لم تمش السكة الحديدية كرامة للشيخ و هلم جرا من المجازفات الناشئة عن سخافات عقول قومنا ، و يا ترى إذا قال لهم قائل : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بان نجعل أحدكم أو شيخكم ذلك نفسه على قضبان السكة الحديدية هل يعطلها ؟ وإلا فانتم كاذبون و الله سبحانه و تعالى يقول : " فنجعل لعنة الله على الكاذبين" (61) ،و بعبارة أخرى إذا كان شيوخكم بهده الدرجة من الخوارق و الكرامات بان يعطلوا الميكانيكي فان المدافع و البندقيات الموزيرية و الطيارات و الغواصات و المراكب البحرية كلها ميكانيك فكفوا عن الأمم المستضعفة شر المدافع و الطيارات و الدبابات و المصفحات من السيارات و نحو دلك من الويلات.
وفاته:
و بعد عمر مديد بلغ التسعين عاما سخره في خدمة قضايا أمته خطابة و كتابة ، وداعيا و مصلحا بطريقة فذة و بشكل قلما نجده لأمثاله على حد تعبير الدكتور " أبو القاسم سعد الله " وافته المنية سنة 1952 بمدينة الجزائر ، و دفن في مقبرة الشيخ عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله رحمة واسعة و اسكنه فسيح جنانه بمنه و كرمه ،أمين.
مجلة الإصلاح العدد الثاني ربيع الأول / ربيع الثاني 1428هـ الموافق لمارس/ أفريل 2007م
[1]: جماعة المسلمين :ص : 1.
[2]:تاريخ الجزائر الثقافي [ الجزء 6/325].
[3]:تاريخ الجزائر الثقافي [الجزء 7/338].
[4]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 7/176].
[5]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 7/177].
[6]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 7/197].
[7]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 8/48].
[8]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 8/80].
[9] :تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 6/352 ][الجزء 7/190] و الإسلام الصحيح [ص 26].
[10]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 7/155].
[11]: تاريخ الجزائر الثقافي[ الجزء 7/175].
[12]:جماعة المسلمين ص: 1 .
[13] : الاسلام الصحيح ص:86 .
[14] : الاسلم الصحيح ص:4.
هُو محمود ابن المُفتي عليّ بن الأمين الجزائريّ , كان أبوه شيخ جليل كامل من عُلماء الجزائر عشيّة الاحتلال .
وكان الابن محمُود ولوعا بالكتابة والنّسخ وله مكتبة غنيّة , توظف إماما في المدرسة السّلطانيّة ( الكوليج ) التـّي أسّسها الفرنسيون ثمّ ( الليسيه ) الفرنسيّ , وبالإضافة إلى ذلك تولـّى الشّيخ محمود التدريس في الجامع الكبير بالعاصمة , وتـُوفي في 17 فبراير 1897 مـ .
من آثاره المكتـُوبة :
1ــ تعليق في الطـّّب , 2 ــ رسالة << نصيحة عُموميّة لأهل الحضر والباديّة >> , وهي مقال نشره بجريدة المبشر الاستعماريّة بتاريخ 25 جويلية 1867 مـ , 3 ــ مقال في تحبيذ الانتخابات وطلب الاقتداء بها من المُسلمين , نشر بجريدة الجوائب المشرقيّة ثمّ بالمبشر بتاريخ 21 يناير 1869 مـ .
يقـُول عنه الأستاذ القماريّ : << كان كأبيه علما ولكنّه ليس كأبيه عملا , فلم يصل إلى رتبة الفتوى رغم أنّه كان من عُلماء الوقت >> . وقال عن مقاله المذكور : << يدلّ على اتـّساع معارفه في الأدب والتراث والتاريخ . . . >> . والذي يظهرُ لي خلاف ذلك لأمور :
أولا : أنّ الفرنسيين لم يقصدوه لعلمه بل لنسبه وشهرة أسرته في العلم , ولو كان عالما لم يقصدوه .
ثانيا : أنّ شُهرته كانت في النساخة لا في العلم وشتـّان بين الأمرين ولو كان عالما لبرز .
ثالثا : أنّ العلماء أغلبهم هاجر أو اضطهد أو تخفى .
وأمّا عن مقاله وما فيه من شواهد قرآنيّة وحديثيّة وشعريّة فقد ساقه برمّته من كتاب << إحياء عُلوم الدّين >> للغزاليّ وربط فيه بين باب العلم وباب المعيشة من الإحياء , مع اختصار مُخل في بعض الأحيان ودون تحقيق كما سيظهر في التعليق . . . آخر المقدّمة . . .
كتبه
عادل بن الحاج همال الجزائريّ
بتاريخ 26 رمضان 1427 هـ .
]]>تمهيد :
بعد هجرة أكثر العلماء والمُجاهدين والأعيان , خلت الدّيار من أهلها وصارت الدّولة للفرنسيس . . . فاستبدّ بنفوس الناس جُمود وخُمول خيّم عليه اليأس والقنوط , وصار أكثرُ حالهم كما يروي المُستشرق الفرنسيّ ( جوزيف ديبارمي ) عنهم : << . . . المُسلم ( الجزائريّ ) لا يخرج من داره إلاّ ذليلا ومُحجّبا كالمرأة لأنّ الشارع فيه حضارة أخرى , وهي حضارة الرّوميّ ( الفرنسيّ ) . . . المُسلمون أهينوا على يد الكفار . . . >>([2]) .
وفي هذا الظرف البائس كان هُناك . . . في خبايا الزوايا بعض البقايا , وهُم صنفٌ من العُلماء والطلبة الذين كانوا يستكملون مُهمّتهم التعليميّة رغم الظروف مُؤثرين البقاء مع النّاس على الهجرة .
قال الشّيخ محمّد بيرم التونسيّ في ( رحلته ) : << ومن الأخيار الذين اجتمعتُ بهم ومنحوني فضائل أخلاقهم النّحرير العالم الشّيخ عليّ بن الحفاف المالكيّ بقاعدة الجزائر , وهو من تلامذة علاّمة القطر الإفريقيّ الشّيخ إبراهيم الرّياحيّ , كما أخبرني بذلك عن نفسه , وله فضائل كاملة وتقوى وسكينة واطلاع وسعة في الفقه والحديث , وذاكرني في الهجرة فذكرته بأنّ مثله قليل الوُجود في ذلك القطر , وأنّ بقاءه فيه لتعليم النّاس دينهم أنفعُ للعامّة وله عند الله تعالى من خروجه برأسه , وأنّ بقاء تلك الأمّة المُسلمة خالية عن مثله بل ربّما حمل خروجه غيره ممّن هو على شاكلته على الخروج فتبقى العامّة بلا تعلم لديانتهم , وتضمحلّ منهم الدّيانة شيئا فشيئا والعياذ بالله , بخلاف ما إذا بقي هو وأمثاله فإنّه تنتشر تعاليم الإسلام والفقه , وتبقى الدّيانة إن شاء الله تعالى محفوظة في الأهالي , وذلك منصُوص عليه في كتب فقهنا حتـّى إنّ الأسارى إذا لم يمكن فداؤهم جملة فيؤخر منهم العُلماء([3]) . . . >>([4]) .
وعلى هذا الرّأي لم يُهاجر جماعة من العُلماء . . . وكان من بينهم شيخُ الجماعة عبدُ القادر المجاوي .
فمن هُو عبدُ القادر المجاوي ؟
قالت مجلـّة الشّهاب ( 3 \ 8 ) عند تقريظها لكتاب الجزائر للأستاذ توفيق المدنيّ : << إنّ الكتاب وُضع على الاختصار فما كنّا لنطالب مُؤلفه باستقصاء جميع الرّجال , ولكنّه سكت عن أفراد لا تكمل الصّورة التّاريخيّة إلاّ بهم , منهم العلاّمة الأستاذ عبد القادر المجاوي ــ رحمه الله ــ هذا الرّجل هو أبو النّهضة العلميّة بقسنطينة , وهو شيخ النّاس بجميع عمالتها , عليع تخرّج القضاة ورجالُ المحاكم والتدريس والفتوى فلا تجد وااحدا من هؤلاء إلاّ وهو من تلامذته , ولو كان هذا الرّجل من أمّة عالمة لأحيت ذكراه في كلّ مُناسبة . . . >> .
مولده ونشأته وطلبه للعلم :
هو عبدُ القادر بن عبد الله بن محمّد الحسني الجليليّ المجاوي نسبة إلى قبيلة بشمال المغرب الأقصى , وُلد بتلمسان سنة 1264 هـ \ 1848 مـ في أسرة اشتهرت بالعلم والدين , كان والده فقيها وقاضيا تقلـّد خطة القضاء بتلمسان خمسا وعشرين سنة ثمّ في طنجة المغربيّة , وهُناك وفي تطوان أتمّ الابن عبد القادر حفظ القرآن الكريم ودراسته الابتدائيّة .
وفي فاس : التحق عبدُ القادر بجامع القرويين الذي كان يشهدُ فترة النّهضة والدّعوة إلى تجديد طـُرق التعليم , وهي الإصلاحات التـّي طرأت على المغرب وتـُونس بعد احتلال الجزائر واحتكاك المُسلمين بالحضارة الغربيّة .
ومن شُيوخه الذين تخرّج عليهم وتأثر بهم :
الفقيه الشّهير محمّد العلوي الفاسيّ , والشّيخ العلاّمة محمّد قنون ــ محشي الرهوني على خليل ــ , والعلاّمة محمّد بن سودة , والعلاّمة المُحدّث محمّد بن جعفر الكتانيّ , وأحمد بن الحاج ــ محشي المكوديّ ــ .
ميدان التربيّة والتعليم :
في سنّ 22 عاد إلى الجزائر وحلّ بقسنطينة سنة 1869 مـ مُدرّسا بزواياها ومساجدها , ثمّ تصدّر للتدريس بجامع الكتانيّ فأقبل على دُروسه الطلاب من جميع النواحي واتسعت شُهرته وظهرت كفاءته ومهارته , وتميّزت دُروسه ومواعظه بالحيويّة وغزارة العلم وقوّة التأثير وكان يحرص فيها على الدّعوة إلى النّهوض بالعلم .
يقول الأستاذ القماريّ : << روى ( شارل فيرو ) أنّ الأوساط العلميّة بقسنطينة كانت تقول : أنّ العلم قد انطفأ عند المُسلمين بموت سي مُصطفى بن جلـّول وسي المكيّ بوطالبي . . . وبسبب الإدارة الفرنسيّة التـّي حرمت عامّة النّاس من نُور العلم جفت ينابيع العلم الحرّ وغاضت بحور الفكر , وكاد هذا الليل الطويل ألاّ ينجلي لولا نفحة هبّت من الغرب , ونعني بذلك حلول عبد القادر المجاوي للتدريس في أحد المساجد بقسنطينة . . . >>([5]) .
وفي سنة 1877 مـ تولـّى التدريس بمدرسة قسنطينة وبعد سنة عيّنته الحكومة بمدرسة الجزائر العُليا .
يقول الأستاذ محمّد الصّالح الصّدّيق : << لا شكّ أنّ الحُكومة إنّما عيّنته في هذه المدارس لتقلل من نشاطه الدّينيّ والإصلاحيّ الذي أخذ يُوقظ العُقول ويفتحُ الأبصار ويُوجّه نحو الطريق القويم , لأنّ هذا النّوع من النشاط أشدّ ما يُهدّد الاستعمار . . . >> . لكن كما قال الأستاذ القماريّ : << حقيقة أنّ السّلطات الفرنسيّة كانت تـُراقب هذا التعليم ولا تـُريده أن يتجاوز مبادئ الفقه والتوحيد الموجّهة للعامّة , ولكن المدرّس الماهر ذا الضّمير الحرّ يستطيعُ أن يُوصل رسالته إلى التلاميذ النبهاء والحاضرين المُتطلعين >>([6] ) .
ويقول أيضا ( 3 \ 20 ) : << كان مسؤولوا هذا التعليم يُقاومون سرا وعلانيّة مُستخدمين كلّ الوسائل لتمرير رسالتهم التربويّة , ذلك أنّ التعليم ليس بالقلم والقرطاس فقط , ولكن بالمثل الأعلى والكلمات المعبّرة والتوجيه القويم والنّصائح الخالصة , وإذا كان الفرنسيون قادرين على مُراقبة التعليم العربيّ الإسلاميّ في المساجد والزوايا والمكاتب , فإنّهم غير قادرين على مُراقبة التربيّة والتوجيه الصالح اللـّذين يبثهما المعلمون في تلاميذهم , ومن هؤلاء ستكون البذرة الخيّرة للنهضة والحركة الإصلاحيّة >> .
ولذلك لم يقتصر الشيخ المجاوي ــ رحمه الله ــ على الدّروس النظاميّة فكان من عادته أن يختلط بطلابه خارج الدّرس لينفخ فيهم من روحه , وكانت علاقته بهم علاقة أبويّة تقوم على أساس المحبّة الخالصة والجهاد العلميّ النافع , فكان بذلك المثال للمعلـّم والقدوة والمُربي . . .
يقول الأستاذ محمّد الصّالح الصّدّيق : << كانت طريقه معهم بهذا الاعتبار يملؤه نور وأمل , نور يكتسحُ الظلام , وأملٌ يُحفز إلى الأمام رغم فظاعة العهد الاستعماريّ الذي يعيشونه >> .
ومن تلامذته :
الشيخ حمدان الونيسيّ , وهو من شيوخ ابن باديس الذين كان لهم أكبر الأثر في توجيهه , وتوجيه الحركة العلميّة والإصلاحيّة بقسنطينة , هاجر إلى المدينة النّبويّة في أواخر عمره بعدما أدّى ما عليه قبل الحرب الأولى وبها توفي ودُفن رحمه الله , ومنهم الشّيخ المولود بن الموهوب مُفتي قسنطينة , والشيخ عبد الكريم باش تارزيّ مُفتي الحنفيّة بقسنطينة , والشيخ حمود الدراجي قاضي الحنفيّة بالجزائر . . . وغيرهم .
نشاطه ودعوته :
وكان الشيخ المجاوي إضافة إلى مهنة التدريس كثير النشاط في النوادي والجمعيّات المُعاصرة التي نشطت في أوائل القرن , وكانت جريدة ( كوكب إفريقيا ) للشيخ محمود كحول تنقل مُحاضراته وكتاباته إلى قرائها وكذلك جريدة ( المغرب )([7]) .
وفي سنة 1908 عُيّن إماما وخطيبا بجامع سيدي رمضان بالعاصمة , وكان في دُروسه للعامّة التـّي انتشرت واستشرت فيها الجهل والخرافة مثالا للعالم النّاصح المُشفق , يقول الأستاذ محمّد الصّالح الصّديق : << كان يُوجّه الأنظار دأبا إلى أنّ الله تعالى قادر على أن يُعطي كلّ أحد ما يحتاجه من متع الحياة بلا عمل وكدح , ولكن حكمة الحياة أن نُكافح ونعمل لتكون للحياة لذة وحلاوة , فالحياة بلا جهاد وكفاح حياةٌ بلا معنى , والجهاد بكلّ معانيه المادّية والمعنويّة هو أساس الحياة , ومناط العزّ في هذه الأرض . . . >> . كما دعا إلى مُحاربة البدع والعمل بالسّنّة والانقياد إلى الحقّ .
يقول محمّد الصالح الصّدّيق : << إنّه في هذه السعة العلميّة يُمثل النّزعة السّلفيّة ويرى أنّ الاقتداء بالسّلف الصّالح صيانة الدّين والعربيّة في الجزائر >> . وقال أيضا عن دعوته إلى تعليم المرأة : << خرق كلّ ما كان يجمع عليه أهل عصره من الفقهاء , فلم يكتف بالدّعوة إلى تعليمها بل دعا إلى تعليمها تعليما كاملا >> .
وفاته :
بعد حياة طويلة من الصّبر والتضحية توفي الشيخ المجاوي يوم السبت 6 أكتوبر 1914 مـ بقسنطينة ودُفن بها , وكان يوم دفنه مشهودا حضره العلماء والطلاب والأعيان وحشد عظيم من طبقات النّاس , وألقيت خطب وقصائد شعريّة قيلت في حقه من بينها مرثيّة بليغة للشيخ ابن باديس . . . رحم الله الشيخ المجاوي وجزاه عن عمله خير الجزاء وأجزله .
مُؤلـّفاته :
كثيرة , وكلها تعليميّة , والمطبوع منها : ــ إرشاد المتعلمين , ــ الإفادة لمن يطلب الاستفادة : طبعة الجزائر 1901 , ــ الاقتصاد السّياسي . ــ تـُحفة الأخيار في الجبر والاختيار . ــ الدرر النحويّة شرح الشبراويّة : طبعة فونتانا , الجزائر 1907 . ــ شرح الجُمل النحويّة : طبعة فونتانا . ــ شرح شواهد القطر : طبعة قسنطينة . ــ شرح لاميّة المجراديّة في المسائل النّحويّة : المطبعة البونيّة 1894 , والمجراديّة لأبي عبد الله محمّد بن مجراد . ــ شرح منظومة ابن غازي في الوقت . ــ الفريدة السنية في الأعمال الجيبيّة : في الفلك , طبعة فونتانا 1903 . ــ القواعد الكلاميّة . ــ اللمع في نظم البدع : وهو شرح لمنظومة تلميذه المولود بن الموهوب في البدع . ــ نزهة الطرف في المعاني والصرف . ــ نصيحة المريدين .
هذا ما تسنّى جمعه من ترجمة الشّيخ عبد القادر المجاوي رحمه الله , وبه تنتهي المُقدّمة .
الجزائر : صبيحة 22 رمضان 1427 هـ
عادل بن الحاج همال الجزائريّ
( 1 ) : مُلخصا بتصرّف وإضافة من كتاب << أعلام المغرب العربيّ >> لمحمّد الصّالح الصّدّيق ( 1 \ 30 ــ وما بعدها ) , وانظر لترجمته أيضا كتاب << تعريف الخلف >> للحفناويّ , وَ << نهضة الجزائر الحديثة >> لمًحمّد عليّ دبوز .
المولد و النشأة:
يقول في ترجمته لنفسه [1] :"ولدت ببلدة سيدي عقبة(الجزائر) ليلة النصف من شهر شوال سنة (1307 هـ)، حسبما استفدته من مجموعة القرائن الدالة على تعيين العام ، و يحتمل أن تكون ولادتي بعد ذلك التاريخ بنحو العام لأني لم أجد قيدا صحيحا ليوم ولادتي .
ووالدي هو محمد بن إبراهيم بن الحاج صالح"، وقد انتقل جده الأول إلى بلدة "سيدي عقبة"، فكان هو و أولاده من بعده " عُقْبيينَ" بالسكنى.
الانتقال إلى الحجاز :
يقول :"انتقلت عائلتنا مهاجرة من بلدة " سيدي عقبة" إلى الحجاز بقضها و قضيضها ، أنثاها و ذكرها،صغيرها و كبيرها ، سنة (1313هـ) ، قاصدة مكة المكرمة لحج الكعبة المشرفة في تلك السنة ، فكنت في أفرادها الصغار ، لم أبلغ من التمييز الصحيح ، و لولا رجوعي إلى هذه البلاد ما كنت لأعرف شيئا فيها ".
استقرار عائلته بالمدينة :
يقول:"سكنت عائلتنا أول سنة (1314هـ) ,,,,,أأأأـ بعد الحج ـالمدينة المنورة ، حيث كان استقرارها بها، و بها قبر أَبَوَي و عمي و عم والدي و أختي ، و جل من هاجر من أفراد عائلتنا ، كلهم دُفنوا هُنالكم ب"بقيع الغرقد"، رحمة الله عليهم",
كفالته و تربيته :
و يقول:"و بعد وفاة والدي (سنة 1320 هـ) بقيت مع شقيقي و أختي للأب تحت كفالة والدتي ...و تربيت في حجر أمي يتيما غريبا لا يحوطني و لا يكفلني غير امرأة ليست بعالمة ... و لو لا فضل الله علي و عنايته بي صغيرا يتيما لما كنت هُديت سواء السبيل".
تعلمه و قراءته للقرآن:
يقول :"قرأت القرآن على أساتذة مصريين برواية [حفص]، ثم شرعت على عهد والدتي بقراءة العلم بالحرم النبوي ،لا يشغلني عنه شاغل و لا يسدني عنه شيء ، حيث كان أخي الأصغر مني سنا هو الذي تكلفه والدتي بقضاء ما يلزم من الضروريات المنزلية ، و قد أدركت سر الانقطاع لطلب العلم و فهمت جيدا قول الإمام الشافعي:"لو كُلفت بشراء بصلة ،ما تعلمت مسألة "،بعد أن أصبحت أنا قائما بشؤوني و المتولي أمر عائلتي و نفسي، و أخذت إذ ذاك من العلم بقسط شعرت معه بواجباتي الدينية و الدنيوية ، و ما كدت أدرك معنى الحياة و أتناول الكتابة في الصحف السيارة و أنظم و أتمكن من فهم فن الأدب الذي كان سمير طبعي ، و ضمير جمعي ـحتى فاجأتنا حوادث الدهر ، ونوائب الحدثان ، وجلها كان على إثر و بسبب الحرب العالمية التي شتتت الشمل و فرقت الجمع".
كيف أبعد من المدينة :
يقول :"تناولت الكتابة في الصحف الشرقية قبل الحرب العمومية أمدا ً غير طويل ،فعدني بعض رجال تركيا الفتاة من جملة السياسيين ، وأخرجوني في جملة أنصار النهضة العربية في المدينة المنورة ـ على إثر قيام الشريف حسين بن علي في وجوههم بعد الحرب ـ إلى المنفى".
وكان مستقر المنفى أخيرا في أرض " الأناضول" .
ثم يقول :"و هناك بقيت أكثر من سنتين مبعدا في جملة الرفاق على أرض الحجاز و كل بلاد العرب ، ثم انتهت الحرب الكبرى بعد الهدنة يوم [11 نوفمبر 1918م] و نحن إذ ذاك مع عائلتنا التي التحقت بنا بعد خراب المدينة "أزمير"، و منها كان رجوعنا معشر أهالي المدينة المنورة إلى الحجاز .و ما وصلت أنا إلى مكة المكرمة حتى لقينا من لدن جلالة الملك حسين كل ما هو أهله من الإكرام و الإجلال ،و هناك عٌينت ُ مديرا لجريدة "القبلة"و " المطبعة الأميرية "...".
رجوعه إلى الجزائر :
و قد وقف الدكتور صالح خرفي [2] على نقل مهم يؤرخ لهذه المرحلة في جريدة " القبلة " [السنة الرابعة ،العدد 34/05يناير1919م ]، وها هو بنصه :"(سفر فاضل) في مساء هذا اليوم برح العاصمة رصيفنا الفاضل الهمام ، أَرَبُ الغيرة و الشهامة ،الكاتب القدير ، و الشاعر الكبير ، الأستاذ " الطيب العقبي" قاصدا "جدة"بعائلته،و منها إلى وطنه الأصلي "الجزائر" ، التي وضع بعض المعتدين المتمردين يده عليها اغتصابا ، و امتص في سني الحرب العمومية ، التي نال رصيفنا الفاضل منها ما ناله من أنواع العسف و الجور و النفي و التبعيد من الحكومة التركية ظلما و عدوانا شأن الأفاضل الأحرار...نكتب هذه السطور و نحن في أشد الأسف و الأسى على فراق رصيفنا الماجد النبيل و نتمنى له النجاح له في قضيته ،رافقته السلامة في الظعن و الإقامة ".
و قد ذكر العقبي سببا آخر في رجوعه إلى وطنه ، قال:"...و لما كنت أتوقعه من عدم استباب الأمن و استقرار الأمن في الحجاز للشريف حسين ،غادرت تلك البلاد المقدسة إلى هذه البلاد الجزائرية بنية قضاء مآربي هنا و عمل ما يجب عمله في قضية أملاكنا مع المعتدي عليها ، ثم الرجوع إلى الحجاز إذا رجعت المياه إلى مجاريها ".
لكن شاء الله أن يبقى العقبي ، و لا يغادر الجزائر و يستوطن بلدة "بسكرة".
و على إثر عودته ،قامت حكومة فرنسا بتفتيش منازله ببلدة "سيدي عقبة "و "بسكرة" بسبب وشايات الظلمة المعتدين، و أخذت جميع أوراقه التي كانت بحوزته، من مخطوطات و غيرها ، يوم(4سبتمبر1921م)، و أطلقت سبيله بعد توقيفه أربعة أيام،و لم يزل الشيخ يطلبها منهم (مرارا لما بها من القضايا)التي تخصه (أو المسائل العلمية) [3] .
ثم أسس الشيخ ابن باديس صحيفة" المنتقد " ، و اجتمع عليها الكتاب المصلحون ،فسلوا سيف الانتقاد، بعد أن علموا أنه " لا يكون إصلاح إلا بالانتقاد "، وقد كانت وجهتهم الأولى في النقد هي الاعتقادات .
يقول ابن باديس:"هنا اصطدمنا بزعماء الطرق و شيوخ الزوايا الاصطدام المعروف ،لأنه إذا خلص التوحيد توجه الناس إلى ربهم الذي خلقهم و تركوهم،و اعتقدوا فيهم أنهم مخلوقون مثلهم لا يضرون و لا ينفعون،إلى غير هذا من مما ينتجه التوحيد الصحيح من تحرير العقول و الأرواح و القلوب و الأبدان" [4] ، و نسفوا "صروحا مشيدة من الخرافات و الأوهام "و زرعوا " البذرة الأولى لتطهير العقائد و تحرير الأفكار".و كانت أول صحيفة دعت إلى تحرير الأمة من ضغط و تسلط زعماء الطرقية ، أو "حكومة القطب و الغوث"،هي صحيفة "المنتقد"، التي انبرت للكتابة فيها " أقلاما كانت ترسل شواظا من نار على الباطل و المبطلين" [5] .
ثم جاءت قصيدة العقبي ، كالسيل الجارف ،أو كالزلزال، بما أحدثته من هزة عنيفة ، و تحطيم لأوضاع مقدسة يحدثنا عنها الشيخ مبارك يقول:"ابتداء الحرب على حكومة القطب ....قصيدة العقبي و تأثيرها في الأمة،و لكن"أتى الوادي فطم على القرى"إذ حمل العدد الثامن[من"المنتقد"] في نحره المشرق قصيدة "إلى الدين الخالص" للأخ في الله ،داعية الإصلاح و خطيب المصلحين الشيخ الطيب العقبي ...فكانت تلك القصيدة أول معول مؤثر في هيكل المقدسات الطرقية،و لا يعلم مبلغ ما تحمله هذه القصيدة من الجراءة و مبلغ ما حدث عنها من انفعال الطرقية ، إلا من عرف العصر الذي نشرت فيه و حالته من الجمود و التقديس لكل خرافة في الوجود" [6] . مما جاء فيها :
ماتت السنة في هذي البـــــــــلاد قُبر العلم و ساد الجهل ساد و فشا داء اعتقاد باطــــــــــــل
في سهول القطر طرا و النجاد عبد الكل هواء شيخـــــــــــه جده،ضلوا و ضل الاعتقـــــــــــــــاد
ثم عطلت " المنتقد" فخلفتها " الشهاب""مرآة الإصلاح و المصلحين"،لتمضي على نفس الخطة ،و تواصل الجهاد، و كان "العقبي"من محرري المقالات العظيمة بها ، كما كان عميد الكتاب فيها ، و لك أن تلتمس ذلك لمس اليد،إذا وقفت على هذه الكلمات و التصديرات التي كان يحررها و يثبتها صاحب "الشهاب" وإليك بعضها :
مباهلة العقبي للطرقيين :
و بينما الحرب على أشدها بين الموحدين و الطرقيين الخرافيين،و الصراع في أوجه،إذا بخرافي كبير من المغرب الأقصى ينضم إلى أصحابه "العلِيوٍيين" و يسخر نثره و شعره في هجو منتقدي البدع و محاربي التخريف،و هو "أحمد سُكَيْرٍج" القاضي التيجاني، وكان من شأنه أن دعا المصلحين للمباهلة ن بل كذب عليهم و ادعى أنهم لا يجيبون إذا دُعوا إليها،فتصدى له "العقبي"، و كتب "بل نجيب ...و لعنة الله على الكاذبين" [7] .
و قال العقبي في "مباهلته":"اللهم إن كنت تعلم أن سُكَيرج و جماعة الطرقيين فيما هم عليه اليوم و ما يدعون الناس إليه و يقرُن على فعله في طرقهم محقون و أن ذلك هو دينك الذي ارتضيته و شرعته لعبادتك بواسطة محمد صلى الله عليه و سلم ، فالعني و من معي لعنا كثيرا !و إن كنت ـ يا الله، يا ربنا و رب كل شيء !! ـ تعلم أن ما عليه الطرقيون اليوم فيما هم فيه من أمرهم و دعايتهم الناس إلى طرقهم هو من الحدث في دينك و الباطل الذي لا يرضيك و لا يرضي نبيك ،فالعن(سكيرج)قاضي الجديدة و من معه لعنا كبيرا! و اجعل مقتك الأبدي و خزيك و لعنتك الدائمة على الكاذبين !(آمين،آمين،آمين).
هكذا أباهلك و ألاعنك يا سكيرج ! فلاعني بمثلها !و إياك أن تتأخر أو تنهزم يوم اللقاء ..."،"سكت سكيرج و لم يجب عن مقال العقبي "ببنت شفة"،و كان من واجبه أن يجيب بصراحة و يقول أني قبلت تعيين الزمان و المكان "،و هكذا "انهزم سكيرج " و لكن أصحابه عمدوا إلى التمويه و المغالطة و الكذب فأعرض العقبي عنهم ، وقطع الكلام معهم ، لأنهم كما قال :"هم قومٌ بُهْتٌ" [ع112/ص8ـ14].
تأييد ابن باديس و الميلي:
"سيهزم الجمع و يُوَلون الدُبُرْ": تحت هذا العنوان كتب ابن باديس تأييدا للعقبي ،قال:"حياك الله و أيدك يا سيف السنة و عَلَمَ الموحدين و جزاك الله أحسن الجزاء عن نفسك و عن دينك و عن إخوانك السلفيين المصلحين ، ها نحن كلنا معك في موقفك صفا واحدا ندعوا دعوتك و نباهل مباهلتك، ونؤازرك لله و بالله .
فليتقدم إلينا الحُلُولٍيُون [8] و شيخهم و من لف لفهم و كثر سوادهم في اليوم الموعود و المكان المعين لهم و ليبادروا بإعلان ذلك بجريدتهم إن كانوا صادقين ،فإن لم يفعلوا ـ و أحسب أن لن يفعلوا ـ فقد حقت عليهم كلمة العذاب و كانوا من الظالمين ، و الحمد لله رب العالمين" [9] .
كما كتب الشيخ مبارك الميلي في العدد الموالي للشيخين [في العدد:98/ص10ـ13]، جاء فيه وصف العقبي بـ:"خطيب السلفيين و كاتبهم و شاعرهم ".
العقبي و جريدة "الإصلاح":
ثم أسس العقبي جريدة "الاصلاح" ببسكرة ،التي يقول عنها الابراهيمي :"فكان اسمها أخف وقعا ، وإن كانت مقالاتها أسد مرمى و أشد لذعا " [10] ،و كتب عنها الشيخ ابن باديس ، و بشر بقرب صدورها ، فقال:" ستصدر تحت الاسم أعلاه جريدة لخطيب السلفيين و شاعرهم الزعيم الكبير الشيخ الطيب العقبي ، بحسبي في التنويه بما ستجمل به "الاصلاح " الصحافة الجزائرية من آيات البيان، وغُرر البلاغة ، وفنون الكلام،و بديع الأساليب و ما تخدم به حزب الإصلاح الديني من آيات الحكمة و قواطع الحجة في أبواب الدعوة و مطارح الجدل ، بحسبي في ذلك أن أقول إنها للأستاذ العقبي ، فقد عرفه الناس في مجالسه و ما نشرته الصحف من كلامه ، الخطيب المُفَوَه ، و الكاتب الضليع..." [11] .
و قال فيه أيضا:"الأستاذ العقبي أشهر من أن نُعرف به ، و نتحدث عن ثباته و إخلاصه و صراحته و جراءته ، ولقد كان منذ أيام الحجاز و حل ببلدة "سيدي عقبة " مُعلنا بكلمة الحق ، داعيا إلى الكتاب و السنة ، منكرًا لشرك القبوريين ، وبدع الطرقيين ،و كان له من جراء ذلك أعداء،وكان له بسببه خصومٌ،و كانت له معهم مواقفُ و كانت له عليهم ردود..." [12] .
و لقد عانى العقبي كثيرا ً لاستصداره جريدته،و اعترضته فيها عراقيل ، و لا أدل من ذلك العدد الأول صدر في (12ربيع الأول1346هـ)، و لم يصدر العدد الثاني إلا في أول سنته الثالثة(2ربيع الثاني1348 هـ) موافق: (5سبتمبر1929م).
لم يمض على العقبي إلا زمن قصير في بسكرة حتى طار صيته ، حيث كان في هذه المرحلة :"العالم الأول ، و المصلح الداعية الأول"، الذي قوض صرح الطرقية ، و زعزع بنيانها ، و أعمل فيها فؤوس الهدم ،ليثبت مكانها عقائد التوحيد الصحيحة .
جهاد العقبي:
كان هذا جهاد العقبي في " الكتابة " التي كان إماما مبرزا فيها ، وهان وقفة مع جهاده في الميدان ، و مع دعوته التي أعلن بها في وسط الناس .
ــ هذه مكاتبة نشرت لأديب في جرائد تونس [جريدة"لسان الشعب" (1927 م)]،قام برحلة إلى "بسكرة "، فسجل مايلي:"...في بسكرة جماعة إصلاحية قوية على رأسها الأستاذ الطيب العقبي...و أهم ما ترمي إليه هاته الجمعية القضاء على الخرافات القديمة ، و التنقيص مما يعلمه الناس عن الطرق و الزوايا للقضاء عليها بعد ذلك بتاتا ، و هو أمر تعهد به العقبي الذي لا يترك فرصة تمر بدون أن يكون فيها خطيبا لا فرق عنده أكان ذلك في الطريق ،أو مقهى ، أو حانوت عطار ... و قد الاستاذ بفكرته ،وهو فخور بها يسمع الناس يسبونه و لا يتحرك ، و يأتيه البريد بالمكاتيب [أي :الرسائل] المملوءة بشتمه فيضحك منها ويعطيها لمن كان بجانبه و يقول:انظر في أي شيء يضيعون أوقاتهم "، و له في طريق داره ضريح صغير في مقبرة قديمة رأى الناس يعبدونه ،فهدمه ثلاث مرات،و لكنهم في كل مرة يجددون بناءه بعد أن يزودوا الأستاذ بجانب من الدعاء ،و أخيرا تركوه و صمموا على عدم تجديده إلا إذا انتقم لنفسه من عدوه !... و هم منتظرون !
و لقد التف حول هذا الرجل المصلح نخبة مهمة من أبناء البلاد ،كونوا نهضة لا يُستهان بها ،و هي تعمل بكل مجهودها في إنارة الطريق إلى الأفكار القديمة التي استولت عليها و أفسدتها من حيث لا تشعر " [13] .
و كتب "الزاهري" عن إحدى جولات العقبي رفقة إخوانه من العلماء و الأدباء في منطقة "بسكرة " ،فقال:" وفد الشعراء يزور :طولقة،فرفار،البُرج" ["جريدة البرق "(ماي1927 م)]:"و بعد الفراغ من مأدبة الغداء ، شرع الأستاذ الطيب العقبي يدعوا الناس إلى النجاة ،و يهديهم إلى سبيل الرشاد ،و يجاهدالذين يجعلون لله أندادا ، و يدعون مع الله آلهة كثيرة ـ بالقرآن جهادا كبيرا ، و مضى العقبي في هذا الموضوع و تغلغل فيه بشدة كأنه التيار الجارف الذي جرف طرق" القوم " و خرافاتهم،أو كأنه إعصار فيه نار تأكل ضلالات المشركين أكلا لما ، فلم يبق في مجلسه ذلك إلا و خضع لكتاب الله ، و سلم لله و رسوله تسليما زو لم يخرجوا من هناك حتى عادوا لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى الله و رسوله..."
و قال في مجلس آخر ،جمعهم بالشيخ السعدوني الذي قال قولا عظيما شنيعا ، " و لم يتكلم الشيخ السعدوني ...و جعلنا نتباحث معه في حركة الاصلاح و في المصلحين و في أعداء الإصلاح المفسدين فاعترف بأنه قال:الرجوع إلى كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ضلال مبين و شقاوة و خسارة سرمدية ، اليوم و قبل اليوم "،و قال أنه لا يزال مصرا على هذا القول ...،و قد بين لنا مراده بتأويل لم نستطع أن نفهمه ، و قد هجم عليه العقبي هجوم المحق على الباطل فتركه حائرا مبهتا ،و كان هذا الموقف الذي وقفه الأستاذ العقبي موقف جدٍ،موقف صراحة ، موقف من لا يخاف في الله في الله لومة لائم ،موقف من يجاهد الخرافيين ،بالقرآن جهادا كبيرا،بتلك الفصاحة العربية التي لم تكن لغير العقبي ،فإنه أحاط بالسعدوني من كل جانب يحتجُ بالقرآن، و لم يكن للسعدوني من حجة ... و أخيرا عجز عن كل شيء و اعترف بأنه لا يستطيع أن ينتصر علينا بلسانه ، ولكنه سيكتب في الجرائد ...
و قد قرَعَه العقبي على طعنه في أبن تيمية ...تقريعاً حلوا ً و مراً...".
فصاحة العقبي:
و لا يفوتني هنا أن أقف وقفتين مع "فصاحة" العقبي، التي أجمع على التنويه بها الموافق و المخالف:ــقال أحد كتاب جريدة "النجاح" [14] [ ع:280\ص2](عام 1344 هـ\1925 م):
أما الشيخ العقبي فله فصاحة تامة يتخلص بها من موضوع إلى موضوع بسهولة و لم يتلعثم في خطابه وذلك دليل على براعته في المنطق".
ــ و قال أحد مكاتبي " الشهاب"[ع:161/ص 6ـ9] يصف إحدى مجالس و جولات العقبي[1928م]،"ثم قام أمير البيان و الخطيب المصقع الأستاذ العقبي ، و ألقى خطبة ارتجالا دامت أكثر من نصف ساعة ...و لقد رأيته خطيبا بلسانه ، خطيبا بلهجته ،خطيبا بهيئته خطيبا بحركاته و سكناته ، و أسهب في ذلك [الموضوع] إسهابا استحلاه الناس و استعذبوه حتى ملك عليهم عواطفهم و أخذ عليهم مشاعرهم و ترك بعض الناس يبكون من شدة ما أثر عليهم بفصاحته و بيانه ...".
الانتقال إلى عاصمة الجزائر:
استدعى الأعيان المصلحون في مدينة الجزائر و إدارة "نادي الترقي"الشيخ العقبي ليواصل جهاده في الجزائر التي هي في حاجة أكثر إليه ، و رغبت في ذلك إدارة جمعية العلماء ، فانتقل إليها .
و عن عظيم أثره فيها يقول الشاعر الأديب حمزة "بوكوشة "[15] : "...ظهرت العاصمة بمظهر ديني لم يعد فيها من قبل ،[حدث فيها انقلاب لم يكن في الحسبان] و ذلك منذ أن حل بها الداعية الإسلامي العظيم الأستاذ الطيب العقبي ،فأثر في الأمة بدروسه...و محاضراته ...فانتفع به خلق كثير بالعاصمة و ضواحيها ،و اتبعوا الصلاة و تركوا الشهوات " [16] .
و قد كان العقبي عميد "جمعية العلماء " في العاصمة، و لسانها الذي ينشر دعوتها ، و حين تأسست جريدة "البصائر" عَهِدت إليه بإدارتها .
محنة العقبي:
ثم حدثت حوادث مؤلمة،ابتدأت بمكيدة اتهام العقبي بقتل المفتي "كحول"و مثوله للمحاكمة ، ثم بعد براءته بقي تحت نظر الحكومة و اختبارها في محنة شديدة مرت عليه ، ثم استعفاؤه من إدارة" البصائر" ،ثم مأساة استقالته من مجلس إدارة جمعية العلماء ، و هكذا انفصل العقبي عن بقية إخوانه ، و جاءت الحرب العالمية ...
و قيل الكثير عن العقبي ، مما يطول ذكره إلا أنه لا بد من الإشارة على أ، تلك الأقوال التي غُمز بها ، يرجع أكثرها إلى مواقفه السياسية ، و إلى الخطة التي إختارها في المعاملة مع الإدارة الفرنسية ، يريد بذلك خدمة هذه الأمة ، و تجنيبها ما يضر بها ، أما دينه و عقيدته فلا أحد استطاع أن يشهد عليه بأنه قد بدّل أو غيَّر،بل هم مجمعون على أنه ظل ثابتا صلبا فيهما ، ومن آخر ما كتب عام(1953م) قوله :" إنني بلوت هذه الأمة في خدمتي لها أكثر من ثلاثين سنة،و قاسيت في سبيل الإصلاح ما قاسيت و كانت التجربة قاسية كادت تؤدي إلى اليأس من نجاة هذه الأمة المغبونة ، و لكن اعتقادي في إصلاح حالها لا يزال اليوم على ما كان عليه أمس، وهو أن نجاة هذه الأمة لا يحصل إلا في التمسك بالكتاب و السنة و السير على تعاليم قولها قولا وعملا ..." [17] .
رحم الله الشيخ العقبي و جازاه أحسن ما يجازي المجاهدين العاملين .
المصدر: سمير سمراد، جريدة الإصلاح ، العدد الثالث ـ جمادى الأولى/جمادى الآخرة 1428هـ الموافق لـ ماي /جوان 2007م
[1]:نشرت في كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر "للأديب الهادي السنوسي(ص124)،و نقلها الأستاذ فضلاء في كتابه :" الطيب العقبي رائدا لحركة الإصلاح..." (ص15 ـ 23)و عن هذا الأخير نَقَلْتُ.
[2]: " الجزائر و الأصالة الثورية"(ص82).
[3]:انظر : "الشهاب"[العدد 5 و العدد7].
[4]:" الشهاب [العدد32/11ذي الحجة 1344هـ].
[5]:الإبراهيمي:"سجل مؤتمر جمعية العلماء "(ص51).
[6]:" رسالة الشرك "(ص284).
[7]:"الشهاب" [ عدد 97 السنة الثانية:17/11/1345هـ].
[8]:"الحلوليون " نسبة إلى عقيدة الحلول التي حوتها كتب ابن عليوة رئيس " العليويين "،فقد زعم أنه هو "الله "!تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
[9]:" الشهاب": [ السنة الثانية :17/12/1345هـ/ص7].
[10] :"السجل" (ص15).
[11]:"الشهاب" [ العدد 106/جوليت/1927م/ص15].
[12]:"الشهاب " [العدد115/ص17] .
[13]:رحلات جزائرية"(ص84ـ85)لمحمد الجابري.
[14]:انتهجت هذه الجريدة نهجا مضادا للمصلحين ، و آوت كتاب الطرقيين .
[15]:كان عضوا إداريا في جمعية العلماء ، وكانت له صلة بالشيخ العقبي ، وقد حدثني ولده أنّ في مخطوطات والده كتابا ألفه عن سيرة العقبي ، فعسى أن ينشر قريبا .
[16]:عن جريدة الوزير التونسية (1932م)ضمن " رحلات جزائرية "(ص143).
[17]:جريدة "المنار" (العدد 17/ص1).