<< لا يخفى أنّ الهداية هي قبول الدّين الإسلاميّ بكلّ ما جاء به ثابتا عن الله ورسوله وإنّ ممّا جاء في الشّريعة المُطهّرة بل هو رُكنها الوطيد الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر اللّذين أصاب العرب والإسلام ما أصابهما لم يكن إلاّ بسبب تركهم لهما فقد روى الطّبرانيّ في الأوسط عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليُسلّطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم ) وروى أبو داود في سُننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ( إنّ أول ما دخل النّقص في بني إسرائيل أنّه كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول : يا هذا اتّق الله ودع ما تصنع فإنّه لا يحلّ لك ثمّ يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فكما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثمّ قرأ (<< لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ــ ــ كانوا لا يتناهون عن مُنكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ــ ــ ترى كثيرا منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ــ ــ ولو كانوا يُؤمنون بالله والنّبيء وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيرا منهم فاسقون >>) ثمّ قال : ( كلاّ والله , لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المُنكر ولتأخُذنّ على يد الظّالم ولتأطرنّه على الحقّ أطرا ) أي تقهرونه وتلزمونه على الحقّ قهرا . وكيف يتخلّى المُسلمون عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر وهم في سفينة الحياة سائرون لو أطلقوا العنان لأدوات الفساد لهلك الجميع غرقى وذلك هو المثل الذي رواه البُخاريّ في صحيحه عن النّعمان بن بشير عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : ( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهمّوا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نُؤذ من فوقنا ؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا , وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) على أنّ الشّريعة الإسلاميّة لاحظت الأيدي التّي ستعبث في الإسلام باسم الدّين فحالت دون ذلك , لو أنّ المسلمين التفتوا قليلا إلى السّنّة النّبوية التّي هي تفسير للقرآن ولاحظوا ما تشتمل عليه آيات الفرقان من الحُكم والدّقائق >> .
]]><< من أسباب << البقاء على الحياد >> ضعف نفس صاحبه وقلّة ثقته بالله ومنها تذبذبُه ونفاقه وعدم ثباته على حال :
وإنّ الذي لا يستقرّ قراره *** على حالة لا يستقلّ بآت
ومن أسبابه مُهاواة النّاس ومُجاراتهم ( في عوائدهم وديانتهم وأفراحهم وأتراحهم واحتفالاتهم ومآتمهم ) خوفا من ذهاب دُنيا فانيّة أو جاه كاذب أو طمعا في إقبالهما من جهة ذهابهما >> .
]]><< القوم أربعة : قوم عرفوا الحق فأظهروه وهم المؤمنون المُتّقون الذين يرجون رحمة ربّهم ويخافون عذابه . وقوم عرفوا الحقّ فأنكروه وهم الجاحدون العاطلون والأعداء الذين لا يرضى عنهم الله ولا يفرحون . وقوم ما عرفوا الحق فأنكروه ولا عرفوا الباطل فأيّدوه فهؤلاء قوم جاهلون وناسٌ غافلون تقودهم الأيدي وتُسخّرهم العقول مرّة لخير وأخرى لشرّ وتارة لمعروف وطورا لمُنكر وهم قوّة الحق إذا ظهرت رجاله , وحُماة الباطل إذا حضرت أبطاله . وقوم عرفوا الحق وعرفوا الباطل وعرفوا مصدر كلّ واحد منهما وأدركوا عاقبة المُحق وعاقبة المُبطل فكان ممّا أدركوه أنّ عاقبة الأوّل الثّواب وعاقبة الآخر العقاب ! وإنّ ممّا كتب الله للمُحقّين الفوز والانتصار وممّا كتبه للمُبطلين الخيبة والاندحار .
هذا هو علمهم بالوجهين ــ وجه الحقّ ووجه الباطل ــ ومُنتهى الإدراك منهم لعقبى الطّائفتين ــ طائفة المُحقّين وطائفة المُبطلين ــ , فهل كانوا للحقّ فأيّدوه , وعلى الباطل فخذلوه ؟ . . . لا . . . إذن كانوا للباطل على الحقّ . . . لا . . . وكيف كانوا ؟ كانوا على حال لا يرضاها عقل ولا يُقرّها شرع وهي ما أسمَوهُ << البقاء على الحياد >> .
]]><< ما معنى البقاء على الحياد ؟ معناه أن لا تمدّ يدك للحقّ فتنفعه , ولا تُسلّطها على الباطل فترفعه وإن شئت قلت هو خُذلان للحقّ ورضيٌ بالباطل ! أو قُل هو السّكوت المُطلق والكفّ الشّامل عن قول وفعل الخير والشّرّ >> .
]]><< روى التّرمذي وأبو داود والنّسائي وابن ماجه في سُننهم وابن حبّان في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه أنّه قال : يا أيّها النّاس إنّكم تقرؤون هذه الآية (<< يأيّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذ اهتديتم >>) وإنّي سمعت رسول الله يقول : ( إنّ النّاس إذا رأوا الظّالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب من عنده ) .
فمن هذا تعلم أنّ حديث ( عليك بخُويصة نفسك ) وآية ( عليكم أنفسكم ) قد أخرجوهما عن المُراد للشّارع وجعلوهما ألسنة لإفساد الأمّة وإيجاد الوهن في عزيمتها حتّى نهجت الأمّة خُطّة الفرق والجُبن التي أورثتها الذل والجهل والانحطاط بعد أن كانت الآية الكريمة نزلت للقوّة و . . . و . . . على أنّ كثيرا من عُلماء الإصلاح وخُصوصا الأستاذ الطّيب العُقبي جزاه الله عن الإسلام والمُسلمين خيرا قد نبّهوا على خطأ فهم النّاس لهما وأنّهم شوّهوا معناهما ودُونك نصّ عبارة النّووي في شرح مُسلم تفسيرا للآية , قال : << لأنّ المذهب الصّحيح عند المُحقّقين في معنى الآية أنّكم إذا فعلتم ما كُلّفتم به فلا يضرّكم تقصير غيركم مثل قوله تعالى : (<< ولا تزر وازرة وزر أخرى >>) وإذا كان كذلك فممّا كُلّف به الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر إذا فعله ولم يمتثله المُخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدّى ما عليه فإنّ عليه الأمر والنّهي لا القبول والله أعلم >> ا هـ >> .
]]><< إنّ أول من رفع صوته بكلمة الحق في هذا الوطن و بلزوم الرجوع من بنيات الطريق إلى نهج الإسلام الواضح و بوجوب التماس الهداية من كتاب الله و ما صح من سنة رسوله صلى الله عليه و سلم وما أثر عن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم ـ هم رجال هذه الجمعية قبل أن تكون الجمعية جمعية ـ فلهم الفضل يوم كانوا فرادى مستضعفين و لهم الفضل يوم مدوا أيديهم إلى بعضهم فأصبحوا أقوياء متعاونين و للأمّة الفضل يوم سمعت نداء الحق فاستجابت و لها الفضل حين تشابهت السبل فما شكت وما استرابت ولها البشر من الله حين غاب المخلفون عن مشهد الحق فما غابت >> .
]]><< إنّ أسعد ساعة قضاها الإنسان في هذه الحياة وأفضل حلقة مرت به من سلسلة تلك الحياة ما كانت في سبيل العلم , العلم النافع الذي تعود فوائده وتجنى ثمرته , على أمّة هي في أشد الحاجة إلى جهود عظيمة ونفوس كبيرة يبذلها الفرد لإسعاد أمّـته , السعادة الحقّة , السعادة الدينية والدنيوية , السعادة التي لا شقاء معها سواء في ذي الدار أو في تلك الدار >> .
]]><< جماعة المبشرين إنما يدعون إلى الخروج على الدين إطلاقا ويروّجون لاعتناق دين غيره وتلك دعوة ينبني على مجرد الجهر بها النفور عنها اللّهم إلا عند نفر قليل تدفعهم الحاجة إلى الاستسلام وتغريهم الفاقة بالاستكانة , وهؤلاء لا يلبثون أن يصدّوا عن الدعوة ويرجعوا إلى الهدى عندما يرون بأعينهم أن المنشآت التي أعدت لهم بين أهل دينهم ستغنيهم عن التردد على أماكن المبشرين فتكتب لهم النجاة من المهاوي السحيقة التي كانوا على وشك التردي فيها , ولكن ما ظنك بجماعة ليسوا من المبشرين حتى نجتنبهم , ولا يدعون للخروج على الإسلام حتى نتحاشاهم , وإنما هم مسلمون أولا , يلبسون لباس الإسلام , ويتزيّون بزيّه وجاءوا تحت ستار لباسهم الزائف يجتذبون نفرا من المسلمين , ينفثون فيهم سموم خرافات وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان بدعوى أن تلك الخرافات من الدين وأنّ من لم يتبعها وينسج على منوالهم فيها يبوء بغضب من الله ورسوله ويكون من الكافرين .
لا شك أنّ هؤلاء أشد ضررا على الإسلام من المبشرين الذين قدّمنا أنّ معالجة أمرهم باتت وشيكة النجاح , وأنّ دعوتهم عند الكثيرين لا تصادف ما قدّر لها من رواج >> .
]]><< بينما هي في ضلالها القديم تتخبط , وبينما رؤساء الأمة ومرشدوها لا يكادون يهتدون إلى الحق ويهدونها سواء السبيل وبينما التبعة الكبرى والمسئولية العظمى يلقيها كل عاقل ومفكر على العلماء , وهؤلاء يعتقدون بما يقبل وبما لا يقبل ــ إذ قيّض الله عصبة المصلحين العاملين لخير هذه الأمة وصلاحها فقام منهم من لا تأخذه في الله لومة لائم يبينون للناس دينهم الحق بالحجة والبرهان ويفهمونهم تعالـيم نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم في أسهل عبارة وأوضح بيان , داعين إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة , ومجادلين من تصدّى لجدالهم بالتي هي أحسن غير هيّابين ولا وجلين >> .
]]><< و هي تعتمد في الإعانة على القيام بهذا العهد الذي قطعته على نفسها ــ بعد الله على كل من يصله صوتها من أبناء هذه الأمة ــ و هي تعتقد أنّها لا تستغني عن الإعانة من أنصارها مهما قلّت و أنّها لا تستغني عن حنكة الشيب و تجاريبهم ولا عن اعتدال الكهول و حكمتهم ـ ولا عن نشاط الشبان وفتوتهم ــ و إنّ تكافل هذه القوى الثلاث سيخرج للأمة الجزائرية جيلا مزودا بالإسلام الصحيح وهدايته والبيان العربي وبلاغته عارفا بقيمة الحياة سباقا في ميادينها متحليا بالفضائل عزوفا عن الرذائل عارفا بما له و ما عليه واقفا في مستقر الحقيقة الواقع لا في ملعب الخيال الطائر>> .
]]>