القدس .. والفتوحات بقلم: محمد محمد صالح ضيائي

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 3
سيئجيد 

القدس .. والفتوحات     بقلم: محمد محمد صالح ضيائي

الفتوحات الإسلامية التي شملت أكثر الأقاليم المعروفة في العالم ولسير الفاتحين المسلمين الذين حملوا إلى أمم العالم رسالة الإسلام وتعاليم الشريعة المحمدية الغراء ميزة خاصة على الفتوحات غير الإسلامية التي سبقت الإسلام منذ أقدم العصور أو تلته في العصور المتأخرة على يدي أعداء الإسلام ومناوئيه.

فلقد كان القواد الإسلاميون يهدفون في حروبهم وفتوحاتهم إلى تحرير الأمم وإخراج الشعوبمن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق، ومن ذل الكفر إلى عز الإيمان، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. كان هذا هو شعار الفاتحين المسلمين في جميع أقطار العالم. قال ذلك ربعي بن عامر أمام كسرى في المدائن، وأروا العالم ذلك عمليا في عدلهم مع الشعوب المغلوبة على أمرهم، ورفقهم بالأسرى في الحروب والفتوحات.

ولكي يظهر الفرق بين سير الفاتحين المسلمين وغير المسلمين، والفارق بين معاملة الفاتحين المسلمين وغير المسلمين مع الشعوب، ولكي يتضح عدل الإسلام والمسلمين ندرس تاريخ بيت المقدس هذه المدينة الإسلامية التي أصبحت الآن ضائعة مهانة تحت أقدام اليهود الغاصبين. هذه المدينة العتيقة من أقدم المدن المعروفة وأكثرها أهمية لدى أهل الأديان السماوية. ولا يعرف التاريخ منذ أقدم العصور مدينة تعرضت للغارات والفتن والتخريب مثل ما تعرضت لها مدينة القدس رغم كونها غير ذات أهمية كبيرة من الناحية التجارية والاقتصادية.

1- وأقدم فتنة سجلها التاريخ لبيت المقدس هي القتل والتخريب العام الذي قام به بنو إسرائيل عام ألف ومائة وتسعة وثمانين قبل الميلاد: فتقول التوراة: (سفر يوشع الفصل السابع 221) "إن بني إسرائيل خرجوا من أريحا يقصدون فتح مدينة (بيوس) -وهي اسم مدينة القدس آنذاك- فما مروا على مدينة من مدن فلسطين إلا وقتلوا كل من فيها من إنسان وحيوان، فعلوا ذلك في أريحا وبيوس ووو وهي أمهات المدن الفلسطينية آنذاك". ونصوص التوراة تؤكد أن بني إسرائيل كانوا يحرقون كل مدينة فتحوها بعد قتل من فيها من الأميين.

2- ثم من الفتن التي حفظها التاريخ لبيت المقدس حملة الملك الآشوري (سنحاريب) التي كانت في عام 713 قبل الميلاد - أي بعد الفتنة الأولى ب480عام- فقد استولى الملك الآشوري على القدس وقتل كل من قدر عليه من اليهود وحمل ما استطاع من الأموال وعاد إلى بلاده.

3-ثم عاد بعد ثلاث سنوات - أي في عام 710 قبل الميلاد - فأجهز على بقية سكانها وخرب المدينة المقدسة. ولكن ما إن ستتب له الأمر في القدس حتى عم جيشه الطاعون فقتل أكثر من مائة وثمانين ألفا من جيشه وكان السبب في إنهاء الحكم الآشوري عن ا لعالم .

4-ثم هاجم القدس بعد الآشوريين حكام مصر فاحتلوها وأصبح أهلها يؤدون الخراج للفراعنة مدة غير طويلة من الزمن.

5-ولما استقل اليهود بالحكم في فلسطين بعد ذلك عاثوا في الأرض فسادا كما تقتضيه السجية اليهودية فانتقم الله منهم فسلط عليهم (بختنصر) ملك بابل فهاجم القدس البابليون بقيادة الملك المذكور واحتلوها عام 597 قبل الميلاد فقتل الكثير من سكانها ثم صالح بقية السيف منهم على خراج سنوي يحملونه إلى بابل.

6-ولكن الإسرائيليين ثاروا ضده وخلعوا طاعته فعاد إليهم عام 586 قبل الميلاد وحاصر القدس مدة سنتين ثم فتحها وقتل كل من شاء من اليهود وأخذ معه أشراف بني إسرائيل وعلى رأسهم (حزقيا) أسرى إلى بابل، وغادر القدس بعد أن أحرق المعبد وهدم المدينة وتركها في صورة مقبرة. وبقيت القدس مهجورة حتى انقرض ملك البابليين واستولى على بابل أحد ملوك فارس الأقدمين المعروف (كورش) فعطف على اليهود وأحسن إليهم وأعادهم إلى القدس وساعدهم في تجديد بناء المدينة المقدسة.

7-ولما استعاد اليهود حريتهم عادوا إلى الفساد والظلم فسلط الله عليهم أحد خلفاء اسكندر المقدر ني فقد هاجم القدس القائد الروماني (انتيوخوس آبيفانوس) عام 168 قبل الميلاد وأحتلها وخرب المعبد وهدم حصار المدينة وقتل معظم سكانها، ومن هذا التاريخ أصبحت القدس تحت سيطرة الرومان.

8-وفترة حكم الرومان على فلسطين كانت مدينة القدس معرضة للقتل والتخريب أكثر من أية مدينة فلسطينية أخرى، ولم تخل المدينة من الثورات والفتن يوما من الأيام ففي عام 65 قبل الميلاد حاصر القائد الروماني الجبار (بومبي) مدينة القدس مدة ثلاثة أشهر ثم فتحها وقتل أكثر أهلها.

 9- وكذلك أيام حكم القائد الروماني (بيلاطس) الذي حكم فلسطين من سنة 29إلى 39 بعد الميلاد تعرضت القدس للخراب والهدم عدة مرات طيلة عشر سنوات.

10- ولم تكد القدس تنسى الفتن والغارات التي مر بعضها حتى دهمتها الفتنة التي يقول المؤرخون عنها أنها كانت منقطعة الشبيه في تاريخ القدس المليء بالأحداث والفت : فقد هاجم القدس السفاك الروماني (تيطس) عام 79 بعد الميلاد، وحاصر المدينة مدة طويلة حتى هلك الآلاف من سكانها جوعا، ثم عجز أهلها عن المقاومة فاستسلموا وفي ذلك يقول المؤرخ الشهير (يوسيفوس) الذي كان شاهد الوقعة حين اقتحام (تيطس) وجيشه مدينة القدس: "إن القتلى في ساحة المعبد وحدها بلغت عشرة آلاف نفس معظمها من النساء والصبيان والشيوخ الذين كانوا قد استعاذوا بالمعبد، وكانت الدماء تجري في الشوارع، وحسبنا أن نعلم أن عدد القتلى في هذه الحادثة قدر بنصف مليون نسمة، واستمر القتل مدة أشهر، وكانت النار مشتعلة في أكثر أحياء المدينة عدة أسابيع. وأخذ السفاك معه كثيراً من الشباب وباعهم في روما.

11- ثم جاء دور الملك الروماني (آدريانوس) فهاجم القدس واحتلها عام 135 بعد الميلاد ووضع السيف في أهلها وهدم المعبد ولم يبق من المدينة حجر على حجر. ولم يقتصر الملك الروماني على قتل اليهود بل قتل من قدر عليه من النصارى، وأمر بإخراجهم من كنائسهم وهدمها وبني معبدين في القدس أحدهما باسم الزهرة، والآخر باسم المشترى.

12- ثم هاجم القدس عام 614 بعد الميلاد جيش فارس فاحتلوها وقتلوا أكثر من 90 ألفا من سكانها المسيحيين، وبتحريك من اليهود هدموا كنيسة القيامة كما كسروا الصليب المقدس (حسب زعم النصارى).

هذه بعض الفتن والمصائب مرت بهذه المدينة المقدسة، ولا يخفى أن أكثر الفتن المذكورة في العصور المختلفة كانت اليهود إحدى حجري الرحى فيها وبعد مضي 1700 سنة على القدس وهي تغوص في بحار الدماء وتداس مقدساتها بأقدام الطغاة شهدت القدس جيشا دخلها ولكن اختلفت الأوضاع كما كانت القدس تعهده عند اقتحام الجيوش أبوابها، فقد قصد الجيش الإسلامي فتح الشام (ومنها القدس) في خلافة الصديق فتوجه المسلمون نحو الشام وهم يحملون رسالة الإسلام، وقد أمرهم الصديق الأكبر بالأوامر التالية: "لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تسرفوا في القتل، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا صبيا ولا عجوزا ولا امرأة، ولا تحرقوا نخلا، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لله، وإذا مررتم بقوم اتخذوا صوامع وسكنوها فدعوهم وما هم عليه". ووصلت الجيوش الإسلامية إلى مدينة القدس أوائل خلافة عمر بن الخطاب ثاني الراشدين فحاصر القدس عمرو بن العاص بجيشه عدة أشهر
 ورفض السكان تسليم المدينة إلى القائد وإبرام الصلح معه ورضوا بتسليم المدينة لأمير المؤمنين عمر نفسه، فاطلع عمرو أمير المؤمنين على القضية فجاء عمر على بعير يتعاقبه هو وغلامه إلى القدس، وخرج لاستقباله كبار المسيحيين وفي مقدمتهم رجال الدين المسيحي وكتب بينهم المعاهدة التالية:

 "هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أهل ايلياء ، أمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا يهدم ولا ينقض منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم من اليهود أحد، وعلى أهل ايلياء مقابل ذلك أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن على نفسه وماله وعليه ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم فإنهم آمنون على بيعهم وصلبانهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من سائر أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى بلده".

وهكذا لأول مرة دخل قائد بجيشه القدس يرحب بهم أهلها، ولم يقتل إنسان واحد باتفاق المؤرخين وبشهادة أعداء الإسلام أنفسهم. وظل المسيحيون يتمتعون بالأمن والاستقرار أيام الحكم الإسلامي على القدس قرابة قرنين ونصف قرن.

13- حتى تحركت الضغائن الصليبية فهاجم القدس الجيوش الصليبية أكثر من مرة، وضعف المسلمون وعجزوا عن المقاومة فاحتلتها الجيوش الصليبية عام 1099ميلادية وقتل المسيحيون الذين يدعون أنهم رسل السلام والرحمة في يوم الاحتلال سبعين ألفا من المسلمين في القدس. ومكثوا فيها حاكمين ومستولين عليها مدة 90 عاما، حتى قيض الله للإسلام صلاح الدين الأيوبي فأعاد القدس إلى أهلها المسلمين وذلك في عام 1193 ميلادية واستعمل مع المسيحيين من النبل والرفق والسماحة ما جعل الأعداء يشهدون له بالأنصاف والعدل. وهدأت القدس بعد ذلك قرابة ثمانية قرون بفضل الحكام المسلمين.

14- إلى قيام الحرب العالمية حيث احتلتها القوات البريطانية عام 1919 فوجد اليهود فرصة مناسبة وتستروا وراء بريطانيا وأخذت الأسراب اليهودية تهاجر إلى القدس من جميع أنحاء العالم حتى قامت عصابة منهم وشكلوا دولة احتضنتها الدول الصليبية الحاقدة على الإسلام، وأخذوا جزءا من القدس عام 1948ميلادية .

15- ثم استولت اليهود على مدينة القدس عام 1967 وهاهي الآن تداس مقدساتها تحت أقدام اليهود، تنتظر صلاح الدين آخر ينقذها من شذاذ الآفاق ويعيدها إلى المسلمين. و الله المستعان.

 

الجمال أم القوة؟

إذا كان الفن يصقل المواهب وينمي الشعور بالجمال فإن الأمة المحاطة بالإعداء، في حاجة إلى ما يفتل السواعد، ويلهب الإيمان، ويقوي الأخلاق، ويفتح العقول، ويدفع عن الأمة خطر الإبادة أو الاحتلال. 

                                                                    (( هكذا علمتني الحياة))