انتقام الله من الامم بعضها ببعض للأستاذ رشيد رضا من مجلة المنار

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 

نقلا عن مقال بعنوان {انتقام الله من الامم بعضها ببعض} للأستاذ رشيد رضا، والذي نشرته مجلة الشهاب في جزئها الأول من المجلد العاشر، الصادر في غرّة رمضان 1352ه ل جانفي 1934م:

كتب الأستاذ رشيد رضا في مجلته (المنار) الرفيع جوابا عن سؤال سائل عن معنى تفضيل بني إسرائيل على العالمين فبيّن أنّه خاص بالمهتدين منهم في أهل زمانهم وأنّه قد انقضى ما كان لهم من التفضيل الديني ببعثة محمد رسول الله وخاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم إلى الفرع الآخر من ذرية إبراهيم وهم العرب. ثمّ بيّن له حكمة الله في أعمالهم في العالم. فاجتنينا منه هذا البيان فيما يلي:

(وأمّا ما يستنكره السائل من أعمالهم الإفسادية في العالم ولا سيما روسية وألمانية فحكمته أنّ الله تعالى ينتقم بقوتهم في التدبير المالي والمكر والكيد السري (كالماسونية) من أشدّ شعوب الأرض ضراوة بالحروب ، واستذلال الشعوب واستخدام دين المسيح لنقيض ما جاء به من الزهد والتواضع والإيثار ، فلولا كيد اليهود في شلّ عرش ذلك السلطان الديني الدنيوي في أوربة لَمَحَت العصبية الصليبية آية الإسلام من الشرق كما محتها من أكثر أوربة ،ولا طفأت نوره ، ولما وجدت هذه الحضارة المؤسسة على قواعد العلوم والفنون والحرية التي نفخها روح الإسلام في الأندلس والشرق ثمّ انتقلت إلى إيطالية وفرنسة فسائر بلاد الغرب ، على أنّ الشعوب الأوربية الحربية بالطبع الموروث قد كفرت بنعم الله تعالى في العلم كما كفرت من قبل بنعمته في هداية الدين ، فهي تستخدمها في الاستعداد لدكّ معالم الحضارة والعمران وإبادة بعض شعوبها لبعض ، فاليهود يكيدون لهذه الدول وشعوبها في شرق أوربة وآسية بالبلشفية ، وفي غربها بخصيمتها الرأسمالية ، والغرض من الكيدين إزالة بغي القوة النصرانية ثم القوة المادية لشعوب أوربة إلّا التي تساعدهم على غرضهم الأساسي ، وهو تجديد ملك يهودي يكون له النفوذ الأعلى في العالم ،فهم الذين شلوا عرض السلطان البابوي بقوة العلم والمال ، لأنّه كان يضطهدهم في كل مكان ، وهم الذين أضعفوا سلطان الحكم القيصري بمجلس الدوما أولا ثمّ قوضوه بالحكومة الشيوعية آخرا لأنه كان يضطهدهم أيضا - وهم الذين ساعدوا جمعية الاتحاد والترقي على تقويض سلطان الخلافة التركية تمهيدا لتمكينهم من امتلاك فلسطين لا لاضطهاد الترك لهم فإنّهم لم يضطهدوهم - وهم الذين قوضوا صرح القوة الألمانية في الحرب الأخيرة بما نفثوه من سموم الثورة في أسطولها وفي جيشها وبما جاهدوا بأموالهم وكيدهم في حمل الولايات المتحدة على مساعدة أعدائها الحلفاء عليها ، ثمّ سعوا لنشر الشيوعية فيها حتى لا تقوم لها قائمة مسيحية ولا قومية ، وما كان هذا إلاّ خدمة لإنكلترة وجزاء على عهدها بلسان لورد بلفور على تأسيس وطن قومي وملك يهودي في فلسطين فكيدهم لألمانية كان ككيدهم للدولة العثمانية لا ككيدهم لدول اللاتين والقيصرية الروسية ، ومن النّاس من يرى أنّ إضعاف ألمانية وانتصار الحلفاء عليها كان خيرا للإنسانية وأنا أرى عكسه . فأنت ترى أنّ هذا الشعب أفضل من جميع شعوب الأرض عزيمة ووحدة وأثرة وذكاء، وإقداما وثباتا، واعتزازا بنفسه، وأمّا ضرره لغيره فهو يجري فيه على ما تعلّمه من شعوب أوربة وكيد بعضها لبعض وشره ما كان من دفع المفاسد بالمفاسد. ويجري على سنة الاجتماع البشري والطبيعي المسمّاة برد الفعل، وقاعدة إذا جاوز الشيء حدّه، جاوز ضده أو انقلب إلى ضدّه، ووفاقا للحديث الشهير على ألسنة العامة: {الظالم سيف الله ينتقم به ثمّ ينتقم منه}. رواه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ (عدل الله) ولكن بغير سند وقال الحافظ ابن حجر أنه لا يعرف له رواية غيره، ولا يمكن أن يغلب على أمره إلّا بقوة الحق والعدل والهدى التي كفل الله نصر أهلها على من يقاومها، وهذه القوة لا توجد إلّا في دين الإسلام دين القرآن وسنّة محمد عليه الصلاة والسلام، التي فتح بها خلفاؤه العالم، وطهروا ما ظهر عليه منه من الوثنية والظلم والمنكرات، وعبادة البشر من الكهنة والملوك، وقد بيّنّا هذا بالتفصيل في كتابنا (الوحي المحمّدي) الجديد.

وقد تنبهت الشعوب اللاتينية والجرمانية للانتقام منهم ،ولا يزال الإنكلوسكسون ينتصرون لهم بسبب نفوذهم المالي ، ولكن الدولة الإنكليزية هي التي ستقضي عليهم القضاء الأخير ، بمساعدتهم على تأسيس الملك اليهودي في فلسطين بظلم للعرب شديد وبغي فظيع ،بالرغم من وعيد الله لهم على لسان رسله ولا سيما المسيح الحق ومحمد خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليهما ، وسيكون هذا الجمع بين الظلم والبغي الإنكليزي والطبع اليهودي قاضيا على نفوذ إنكلترة في الشرق خلافا لما يظنان ، معجلا لحياة الأمة العربية خلافا لما يبغيان ،بمقتضى سنّة رد الفعل في الاجتماع ، بل عجّل الله للإنكليز الانتقام بزوال نفوذهم المعنوي وصيتهم الأدبي بفضيحتهم في فلسطين  وسيتبعه النفوذ المادي ولو بعد حين ، وأمّا اليهود فهم على ما ذكرنا من مزاياهم قد سلبوا الاستعداد للملك بفقدهم لملكة الحرب إذ قال الله فيهم (ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياة ) وبشدّة أثرتهم المالية وعصبتيهم النسبية والدينية .التي بغضتهم إلى جميع شعوب البشر مسُودين ، فكيف إذا صاروا سائدين ، وقد قال الله فيهم : ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) وقد ورد في أخبار نبينا الغيبية أنه قال ( تقاتلكم اليهود فتظهرون عليهم حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم ههنا ورائي يهودي تعال فاقتله ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .