بعضُ مطامع أميّة في طلب النّبوّة

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 1
سيئجيد 

        نقلا عن مقال بعُنوان ـ( الشّاعرُ الذي طمع في النّبوّة )ـ للأستاذ ابن ذياب أحمد , والذي نشرته مجلّة الشّهاب في جُزئها السّادس من المُجلّد الخامس عشر الصّادر غُرّة جُمادى الثانيّة 1358 هجريّة المُوافق لـ 18 جويلية 1939 للميلاد :

        << حكى الأغاني أنّ << أميّة خرج في سفر فنزلوا منزلا قام أميّة وجها وصعد في كثيب فرفعت له الكنيسة فانتهى إليها فإذا شيخٌ جالس فقال لأميّة حين رآه : << إنّك لمتبوع فمن أين يأتيك رأيُك([1]) >> ؟ قال : من شقي الأيسر , قال : فأيّ الثياب أحبّ إليك أن يلقاك فيها >> ؟ قال : السّواد . قال : << كدت تكونُ نبيّ العرب ولست به , هذا خاطرٌ من الجنّ وليس بملك , وإنّ نبيّ العرب صاحبُ هذا الأمر يأتيه من شقه الأيمن وأحبّ الثياب أن يلقاه فيها البياض >> , فخرج أميّة من عند الرّاهب وهو ثقيل , فقال له أبو سُفيان : << إنّ بك لشرا فما قصّتُك >> ؟ , قال : خبر أخبرني عن عُتبة بن ربيعة , كم سنّه ؟ << فذكر سنّا >> وأخبرني عن ماله ؟ << فذكر مالا >> , فقال له : وضيعته ؟ فقال : << بل رفعته >> فقال : إنّ صاحب هذا الأمر ليس بشيخ ولا ذي مال >> انتهى .

        ووقوع هذه الحادثة كان قبل البعثة من دُون ريب والرّاهبُ وإن قال لأميّة ما سمعتُم فإنّ أميّة لم ييأس لأنّ الطّمع والحرص مُتمكّنان منه كما أسلفتُ ــ بل عاد فرجع ورجع . . . وإليكم ما جاء في الأغاني أيضا :

        << خرج أميّة إلى الشّام فمرّ بكنيسة وكان معه جماعة من العرب وقريش فقال أميّة : إنّ لي حاجة في هذه الكنيسة , وأبطأ , ثمّ خرج إليهم كاسفا , مُتغيّر اللّون , فرمى بنفسه وأقاموا حتّى سري عنه , ثمّ مضوا فقضوا حوائجهم , ثمّ رجعوا فلمّا صاروا إلى الكنيسة قال لهم انتظروني , ودخل الكنيسة فأبطأ ثمّ خرج إليهم أسوأ من حاله الأولى , فقال أبو سُفيان بنُ حرب : <<قد شققت على رفقائك >> فقال خلّوني فإنّي أرتاد على نفسي لمعادي , إنّ هُنا راهبا عالما , أخبرني أنّه يكون بعد << عيسى >>([2]) ــ عليه السّلام ستّ رجعات وقد مضت منها خمس وبقيت واحدة وأنا أطمعُ في النّبوّة وأخاف أن تُخطئني فأصابني ما رأيت , فلمّا رجعتُ ثانيا أتيتُه فقال : قد كانت الرّجعة وقد بُعث نبيّ من العرب فيئستُ من النّبوّة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما كنت أطمعُ فيه([3]) >> انتهى .

        كانت الصّدمة ــ هذه المرّة ــ عنيفة وكانت الخيبة القاضية ولولا تصديق أميّة للرّاهب فيما يُفتيه به في كلّ شيء , ولولا تطمينُه له وتهدئة روعه , لكان موقف أميّة غير موقفه , ولكانت دعوى وتمرّدا وتحدّيا , ولكن أميّة باء بالفشل وفاز بالخُسران , وعاد من الشّام وهو موقن بأنّ نبيّ العرب صلّى الله عليه وسلّم بُعث >> .



 [1] : جنّيٌ مُصاحبٌ له كما زعموا .

 [2] : كذلكم في نُسخ الأغاني ــ ولعلّ الصّواب موسى والله أعلم .

 [3] : ما جاء في نُسخ الأغاني مُشتّت ولكن عرضه على هذه الطّريقة ــ والجمعُ بين الرّوايات أو بعضها هو من عملنا .