تعطيل السنّة و إصدار الشريعة

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 1
سيئجيد 

        روّعت الأمة بنبإ تعطيل جريدة << السنّة >>  بقرار من وزارة الداخلية و تقاطرت على الإدارة رسائل الاستياء و التعجب و لم يكن تعجب النّاس من تعطيل جريدة دينية بعيدة كل البعد عن السياسة دون استياءهم من عرقلة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن عملها الديني التهذيبي الذي ذاقت الأمة حلاوته و شاهدت جميل أثره .

        أمّا نحن فقد شاركنا الأمة في الاستياء و لم نشاركها في التعجب فقد كنّا توعّدنا بأشياء , هذا التعطيل أحدها , فجاء و نحن له متوقعون . غير أنّ الذي نعجب منه نحن المباشرين لتسيير الجمعية هو التبدل العظيم و الانقلاب السريع الذي شاهدناه من بعض الإدارات نحو الجمعية .

        لقد تجوّلت وفود الجمعية السنة الماضية في جميع جهات الوطن و ألقى وعّاظها خطبهم ودروسهم في المحافل العامة و كثيرا ما كان يحضرها رجال من الحكام و كانوا يلقون من شيوخ البلدان الأميار وحكام الدوائر كل تعضيد و تقدير و قابلنا بعد تمام الرحل إدارة الشؤون الوطنية بالعاصمة فلم نسمع على خطتنا أدنى إنكار و لم نتلمح أقل إشارة إلى ارتياب في الجمعية أو استثقال لأعمالـها فما الذي بدل العقول و حول النّيات ، و حمل بريفي العاصمة على ابتداء منازلة الجمعية بقراره المشهور و حمل تلك الإدارات على مناوءة الجمعية و مضايقة رجالها و عرقلة أعمالها حتى عطلوا جريدة السنّة لغير ما سبب إلاّ أنّها جريدة الجمعية و لسان حالها ؟ ! . هذا محل سؤالنا و مناط تعجبنا .

         وبعد فما ينقم علينا الناقمون ؟ أينقمون علينا تأسيس جمعية دينية إسلامية تهذيبية تعين فرنسا على تهذيب الشعب وترقيته ورفع مستواه إلى الدرجة اللائقة بسمعة فرنسا و مدنيتها و تربيتها للشعوب و تثقيفها فإذا كان هذا ما ينقمون علينا فقد أساءوا إلى فرنسا قبل أن يسيئوا إلينا , و قد دلّوا على رجعية فيهم و جمود لا يتناسبان مع المبادئ الجمهورية و لا مع حالة هذا العصر . أفتكون في الهند جمعيات للعلماء تقوم بأعمالها بغاية الحرية و الهناء عشرات من السنين تحت السلطة الإنجليزية الغاشمة القاسية وتضيق صدوركم أنتم عن تكوّن جمعية واحدة للعلماء المسلمين بالجزائر تحت المبادئ الجمهورية العادلة المشعة بعلومها على الأمم فتناهضوها و هي ما تزال في المهد , أفظننتم أن الأمّة الجزائرية ذات التاريخ العظيم تقضي قرنا كاملا في حجر فرنسا المتمدنة ثم لا تنهض بجنب فرنسا تحت كنفها يدها في يدها فتاة لها من الجمال و الحيوية ما لكل فتاة أنجبتها أو ربّـتها مثل تلك الأم أخطأتم يا هؤلاء التقدير وأسأتم الظن بالمربي و المربى و بعّدتم عن العلم بسنن الكون في نهضات الأمم بعضها ببعض عند الاختلاط أو التجاور أو الترابط بشيء من روابط الاجتماع .

        انظروا شيئا إلى ما حواليكم  من الأمم و تأملوا فيما تنادي به الشعوب و ما تعلنه من مطالب فإنكم إذا نظرتم و تأملتم حمدتم لهذه الجزائر الفتية نهضتها الهادئة و تمسكها المتين بفرانسا و ارتباطها القوي بمباديها و عدها نفسها جزءا منها و قصرها لطلبها منها على أن تعطى جميع حقوقها كما قامت بجميع واجباتها و أن لا يتقدمها في أيام السلم من قد لا يساويها في أيام الحرب .

        لا ، لا أخالكم تنظرون و لا تتأملون فإن الأثرة المستولية على النفوس حجاب كثيف يحول دون رؤية الحقائق كما هي و يحول حتى دون رؤية مصلحة فرنسا الحقيقية نفسها . و إنّي لأفهم من مناهضتكم العجيبة للجمعية هي جمعية دينية تهذيبية بعيدة عن كل سياسة ـ أنّكم لا تريدون من الجزائر إلاّ أن تبقى جامدة و أن لا تتمتع بشيء من الحق إلاّ ما لا غناء فيه و لا بقي معه ـ و لعمر الحق أنّ من يريد هذا بالجزائر اليوم لمخالف للشريعة و الطبيعة إذ من الطبيعي أن تتحرك الجزائر ضمن الجمهورية الفرنسية في زمان تحرك ما فيه حتى الحجر , ومن الشرعيّ أن تنال منها الحقوق كفاء ما قامت به من الواجبات .

        آستكثرتم على الجزائر أن تكون لها جمعية لها منزلتها العظيمة في قلبها و جريدة لها قيمتها الكبيرة في نظرها ؟ فنبشركم أنه سيكون للجزائر الفرنسية جمعيات و صحف و سيكون لها وسيكون. . .  حتى يقف المسلم الجزائري مع أخيه من بقية أبناء فرنسا على قدم المساواة الحقة التي يكون من أول ثمراتها الاتّحاد الصحيح المنشود للجميع .

        أم هالكم أن يكون في أبناء الجزائر الفرنسوية من لا يزحزحه عن مبدئه  وعد و لا وعيد و لا يستهويه رنين و لا زخرفة ؟ فنبشركم بأن الجزائر المفطورة على مبادئ الإسلام و المتغذية بمبادئ فرنسا أنجبت و تنجب رجالا كما رأيتم و فوق ما تظنون رجالا تفتخر بهم فرنسا كما تفتخر بسائر أبنائها الأحرار .

        كونوا كما تشاءون أيّها السادة فلكم ـ و أنتم تمثلون ما تمثلون ـ كل احترامنا , و ظنوا بنا ما تشاءون فإنّا على بصيرة من أمرنا و يقين من استقامة خطتنا و نبل غايتنا . و مهما تبدلت اعتقاداتنا في أناس بتبدل معاملاتهم لنا فلن تتبدل ثـقتنا بفرنسا و قانونها .

        و على خطتنا المستقيمة و هي نشر العلم و الفضيلة و مقاومة الجهل و الرذيلة .

        و على غايتنا النبيلة و هي تثقيف الشعب الجزائري المرتبط بفرنسا و رفع مستواه العقلي والخلقي و العملي إلى ما يليق بسمعة فرنسا .

        و على ثقتنا بعدالة فرنسا و حرية الأمّة الفرنسية و ديموقراطيتها .

         ـ أسّست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و أسّست جريدة << السنّة >> المعطلة ، و أسّسنا اليوم بدلها جريدة << الشريعة المطهرة >> و ستقوم ـ إن شاء الله ـ مقامها و تحل من القلوب محلها والله المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل .                                     

                                                                                                 عبد الحميد بن باديس ( الشريعة النّبويّة العدد الأوّل).