احتـجاج جمعـية العلـماء المسلمـين الجزائريـين

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 

ضدّ اعتداء النائب المالي غراب وافترائه

        كثير على هذا الرجل مع جهله باللّغتين أن يتعرّض لجمعية علمية كبرى فيتقوّل عليها بجمل لا يفهم معناها ومفردات ما جرت على لسانه من قبل ــ مثلما في خطابه ضدّ الجمعية الذي نشرناه بالعدد السابق ــ لولا أنّه اعتاد أن يوحى إليه بالأمر فيجريه على لسانه ويكتب له الكتاب فينسبه إلى نفسه ولكنّه ليس بكثير عليه ولا غريب عنه ولا بعيد منه أن ينطوي قلبه على البغض والكيد للعلم والعلماء فيغتنم فرصة اجتماع المستدعين لملاقاة الوالي العام في إدارة الأمور الأهلية فيلقي ما ألقي إليه ويتحمّل مسئوليته بعد نشره لأنّه على مقتضى هواه من بغض العلم وأهله والسعي في إلحاق الشّر والأذى بهم . ولولا اسم النّيابة الذي يحمله ــ والله يعلم كيف كان حمله ــ والمجمع الحافل الذي لفث سمومه فيه , والإدارة الرسمية التي كان يلقي خطابه فيها , لما بالـت به الجمعية ولا أعارت كلامه أدنى التفات , ولكن مراعاة لهذه الوجوه, فالجمعية ترفع احتجاجاتها لدى الأمّة ولدى الحكومة ولدى ممثل الحكومة الذي ألقى هذا الخطاب في حضرته .

        احتجاجنا لدى الأمّة : أيّتها الأمّة الجزائرية المسلمة , قد دعاك العلماء إلى العلم واحترام العلم واتّباع العلم لمّا دعاك أضدادهم إلى الجهل وما يجرّ إليه الجهل , قد دعاك العلماء إلى التفكير في الدّنيا والآخرة لمّا دعاك أضدادهم إلى الجمود والخمول في الدّنيا والدّين , قد دعاك العلماء إلى العمل والكد والتعاون لمّا دعاك أضدادهم إلى الكسل والبطالة والتواكل , قد دعاك العلماء إلى الله وعبادته وحده لمّا دعاك أضدادهم إلى أنفسهم وتقديسهم , قد دعاك العلماء إلى كتاب الله لمّا دعاك أضدادهم إلى خرافاتهم , قد دعاك العلماء إلى اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والسّلف الصالح رضي الله عنهم لمّا دعاك أضدادهم إلى اتباع أسلافهم وبدعهم وقبيح عاداتهم , قد دعاك العلماء إلى البذل في سبيل الخير العام والمغرم القانوني لمّا دعاك أضدادهم إلى البذل لهم وملء خزائنهم , هؤلاء العلماء أيّتها الأمّة الكريمة ــ الذين دعوك دعوة الحق لا يريدون منك جزاء ولا شكورا وهم يتحمّلون في سبيلك ما تعلمين وما لا تعلمين , قد قام هذا النّائب الجاهل الذي تشرّف بالنيابة عنك وتحمّلت مسئولية ما يأتيه باسمك يوجه مطاعنه الكاذبة ومفترياته السّامّة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يحاول لفها من أصلها ويطلب من الحكومة بإلحاح أن تعاملها المعاملة << الشديدة القاسية >> حتّى كأن المسكين تخيّل نفسه نائب الحق العام أمام قفص الاتّهام .

        فإليك أيّتها الأمة التي ما رأت منها الجمعية إلا الإكرام بإكرامها لوفودها , وما رأت منها إلا الإقبال بإقبالها على جريدتها التي ما راجت جريدة في القطر مثل رواجها وما رأت منك إلا التأييد بما جاءها من وفودك للاجتماع العام الماضي من اجتماعاتها ــ فإليك أيّتها الأمة الكريمة ــ ترفع الجمعية احتجاجها بهذا النائب الجاهل المعتدي المفتري وأنت تعرفين بعد أين تضعينه...

        احتجاجنا لدى الحكومة : أيّتها الحكومة الفرنسوية حكومة الجمهورية المشيدة على العلم والأمّة التي تدعى بمعلمة الأمم , ما أسسنا جمعيتنا إلا على مقتضى قوانينك العادلة وما أردنا إلا مساعدتك على تعليم وتهذيب وترقية هذه الأمة الجزائرية المرتبطة بك في السّراء والضراء مدة قرن وهي ما زالت تعرف بين الأمم بأنها أمة منحطة جاهلة , وقد خطبنا في الجموع الحاشدة وكتبنا في الصحف المنشرة وما كانت دعوتنا في كل ما خطبنا وكتبنا إلا إلى العلم والتهذيب وتثقيف العقول وإتقان العمل والتعاون مع جميع السكان واحترام القوانين , ثم لم تكمل على تأسيس جمعيتنا سنتان حتّى أصبحنا نلقى من الانتفاعيين الذين لا يعيشون إلا على الجهل ما نلقى من وشايات كاذبة تولد تقريرات باطلة وتجرئ مثل هذا النائب على أن يقول ما قال فإليك أيتها الحكومة العظيمة ــ نرفع احتجاجنا على هذا النائب المعتدي على كرامة العلم , وهي كرامة الإنسانية والعالم .

        احتجاجنا : إلى ممثل الحكومة في ذلك المجلس : أيّها الممثل المحترم , قد كان جديرا بمجلسكم الموقر أن ينزّه عن توجيه المطاعن الكاذبة لجمعية علمية محترمة في غيبتها , فإذا كان هذا النائب المتقوّل قد اعتدى على جمعيتنا فقد اعتدى على مجلسكم العظيم , وإذا كنا نحتج عليه لديكم لاعتدائه علينا فإنّا نحتج عليكم لديكم لعدم إسكاته ولسكوتكم عليه , فعسى أن لا يجد مثله في المستقبل فرصة أمام أمثالـكم للطعن والافتراء , وحسب الحكام العادلين وحسبنا منهم إثبات الحجة وتطبيق القانون , وذلك ما نرجو ونتحقق أنه من ممثلي فرنسا العظام سيكون . ولذا ما نزال نسعى في خطتنا المستقيمة إلى غايتنا الشريفة واثقين مطمئنين وحسبنا الله ونعم الوكيل .

عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الرّئيس : عبد الحميد بن باديس (الشريعة النّبويّة العدد السّادس)

في العدد الآتي نقض للخطاب وإبطال لمفترياته .