الحديث الشريف: بشرى ركوب الصحابة رضي الله عنهم البحر ملوكا

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 

 [1] الحديث الشريف: بشرى ركوب الصحابة رضي الله عنهم البحر ملوكا

{ عن مالك عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله إذا ذهب إلى قبا يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه – وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت – فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجلست تفلي في رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك ؟قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة – يشك إسحاق – قالت فقلت يا رسول الله ادع الله ان يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك قالت فقلت يا رسول الله ما يضحكك ؟قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله ان يجعلني منهم قال انت من الأولين قال فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت }.

السند: ثبت عند البخاري من طريق الليث تصريح أنس بالرواية عن أم حرام خالته فكان أنس مرة يصرح بها ومرة لا يصرح، وإذا روى الصحابي ما هو من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشؤونه عن غيره فلا يقدح في حديثه عدم تصريحه بمن روى عنه لأن غيره صحابي مثله والصحابة كلهم عدول، ورواة هذا الحديث – غير مالك – أقارب فإنّ إسحاق ابن عمّ أنس وأم حرام خالة أنس وقد روى هذه القصة بلفظ أخصر عن أمّ حرام راو آخر هو عمير ابن الأسود العنسي خرجه البخاري.

المتن: جاء عنه بألفاظ متقاربة كلها متفقة على أصل المعنى وخرجه البخاري بتلك الألفاظ في مواضع من صحيحه.

العربية: فلي الرأس: تفتيشه لإخراج الهوام أو للتنظيف من غبار ونحوه والمقصود هنا الثاني لأن الأخبار متواترة تواترا معنويا بنظافة جسمه صلى الله عليه وسلم وطيب ريحه وعرقه. وثبج البحر: وسطه وهو معظمه ومحل هو له.

سؤال وجوابه: ما وجه دخوله صلى الله عليه وسلم عليها وتمكينها من فلي رأسه؟ كانت محرما له بالخؤولة أو بالرضاعة حكاه الأئمة.

تحقيق تاريخي: أول ما ركب المسلمون البحر للغزو في خلافة عثمان رضي الله عنه استأذنه معاوية رضي الله فأذن له فغزا قبرص سنة سبع وعشرين. ذكره ابن الأثير وغيره، وأول ما غزا المسلمون القسطنطينية وركبوا إليها البحر كان في خلافة معاوية سنة 28وكان في ذلك الجيش أبو أيوب الانصاري دفينها.

تطبيق على هذا التحقيق: خرجت أم حرام مع زوجها وركبت البحر في زمان معاوية أي في زمان إمارته وكان ذلك أول جيش ركب البحر وكانت هي معهم وتوفيت بعد خروجها من البحر ونزولها في أرض قبرص كما ذكره ابن عبد البر وغيره وأما الجيش الثاني فهو الجيش الذي غزا القسطنطينية ولم تكن أم حرام معهم.

وما جاء في صحيح البخاري صريح فيما قلناه من تعيين الجيش الأول والجيش الثاني، ونصه من طريق عمير بن الأسود عن أم حرام قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام قلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم. ثمّ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا}.

فكانت مع أول جيش غزا البحر وهو جيش معاوية إلى قبرص لا غير كما حققنا.

الأحكام: فيه دخول الرجل على محرمه دون حضور الزوج. وفيه سنة إطعام الزائر، وفيه تصرّف المرأة فيما تحت يدها من مال زوجها من الطعام بالمعروف. وفيه مباشرة محرم الرجل له في غير العورة، وفيه سنة القيلولة. وفيه سنة إظهار السرور بالنعم والطاعات، وفيه جواز سؤال من بدَر منه ما لا يعرف سببه، وفيه الاهتمام بكل ما يصدر منه صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز ركوب البحر، وفيه جواز التوسع بالحلال. وفيه فضل الغزو في البحر، وفيه سؤال الشهادة، وفيه سنة طلب الدعاء ممن ترجى إجابته، وفيه الدعاء ممن طلب منه، وفيه غزو النساء مع الرجال.

الفوائد: منها أنّ رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي محفوظ وقد كان الصحابة يعلمون هذا علما عاما ولذلك سألت أمّ حرام أولا وثانيا سؤال المتيقن بوقوع الغزو على الوجه الذي ذكر صلى الله عليه وسلم ثمّ قد تكون رؤياهم بالمثال كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بقرا تنحر فأوّلها بمن قتل من أصحابه في غزوة أحد وقد تكون بالصريح الذي لا يحتاج إلى التأويل كما هنا. ومنها تحقيق استجابة دعائه إذا دعا ولهذا قال لها في الثانية – جازما – أنت من الأولين. وهذا فيما لم يعلم بالمنع منه كما في حديث: وسألته ألا يذيق بعضهم بأس بعض – يعني أمّته فمنعنيها. ومنها أنّ من معجزاته صلى الله عليه وسلم إخباره بأمور غيبية لم يكن شيء ممّا يدلّ عليها أو يقتضي وقوعها يوم أخبر فوقعت كما أخبر فركب أصحابه البحر وغزوا الرّوم ومدينة قيصر من بعده بينما كانوا يوم أخبر بهذا من أبعد الأمم عن ركوب البحر والبراعة فيه وكانت أمّ حرام مع الطائفة الأولى كما أخبرها وكانت منهم على أبلغ وجه حيث فازت بالثمرة المقصودة من الغزو وهي الشهادة وإن كان موتها في غير مباشرة القتال لقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل في سبيل الله فهو شهيد. رواه مسلم ولقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}.

الموعظة:علم الله أنّ السيادة في البر لمن ساد في البحر، وأنّ أقسام الأرض المتقاطعة وأصناف الأمم المتباينة - لا يقرب بينها. ويفتح الطريق لتواصلها  وتعارفها، ويثقل مدنياتها من بعض إلى بعض منها – إلا ركوب البحار وملك ناصيتها فجاءت الآيات القرآنية العديدة في ذكر البحر وصفاته ومنافعه وسفنه وبديع الصنعة فيه وعظم النعمة به. وجاء هذا الحديث يبشر الأمّة الإسلامية بما هيء لها من أسباب السيادة ويعرّفها أنها أمّة ملك وسلطان وقوة وأنها ستملك البحار، وتغزو الأمصار الكبار، يعرّفها بهذا ويدعوها إليه لتعدّ له عدّته وتأخذ له طريقه وتتوصل إليه بأسبابه، إذ لا يكون ملك إلاّ بأسباب الملك، ولا تكون قوة إلا ّ بأسباب القوة ولا تكون سيادة إلا بأسباب السيادة وقد علمت من دينها أنّ السيادة لا تكون إلا ّ بالملك، وأنّ الملك لا يكون إلاّ بالقوة- قوة الأبدان وقوة العقول وقوة الأخلاق وقوة المال - وبهذه يكون العدل الذي هو أساس الملك. وأن لا قوة إلاّ بالعلم والعمل والتهذب فإذا دعاهم هذا الحديث إلى السيادة فقد دعاهم إلى هذا كله ونبههم على هذا التقدير المحكم الذي ارتبط بعضه ببعضه وعلى أنّه لا سبيل إلى غايته إلاّ بإتيانه من بدايته. وقد فهم المسلمون هذا دهرا فمسكوه فأنجز لهم الله وعده، وجهلوه أدهارا فتركوه فأذاقهم الله بأسه، وما ربك بظلاّم للعبيد ولئن عادوا إليه ليعودنّ إليهم، ولن يخلف الله الميعاد.

          



 [1] : مجلة الشهاب الجزء الاول من المجلد العاشر.