ــ 5 ــ زيارة سيدي عابد

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 1
سيئجيد 

<< زيارة سيدي عابد >> ([1])

ــ 5 ــ : بقلم الأستاذ الزّاهري العُضو الإداري لجمعيّة العُلماء المُسلمين الجزائريين

( معرض عظيم للخزي والفضيحة ــ إباحيّة تامّة في الأعراض والحُرُمات ــ كلّ ذلك تقرّبا لله وطاعة للأولياء ــ مليار من الفرنكات يذهب كلّ عام في الوعدات هباء منثورا )

        ورفضنا طبعا أن نجلس إلى مائدة عليها خمر مع هؤلاء الحُلوليين ورفضنا أن نُشاركهم فيما هم فيه من لهو وعبث وقصف وشراب , ورجعنا أدراجنا , فعثر أحدُ رُفقائنا في طنب من الأطناب الممدودة , فقال : << تعس شيخُ الحُلول >> ! فقلت له : لقد ظلمت الشّيخ , قال : ومتى كُنت أنت عنه مُحاميا ؟ قلت : ولكنّي لا أحبّ الظّلم والعُدوان , قال : أوَ بلغتَ إلى هذا الحدّ من الإنصاف ؟ قلت : وما ذا يمنعُني من ذاك ؟ قال وهُو يضحك : هذا شيء كثير يا شيخ ! وأردتّ أن أجاوبه لولا أنّ ربّة الحانة أو صاحبة القبّة قد عاجلتنا بقولها : كان << الشّيخ سيدي >> كتب لي << حرزا >> ولكنّي لم أنتفع به إلى الآن , فقال لها صاحبي : من هُو الشّيخ سيدي ؟ فقلت له أنا : هو شيخ الحُلول وذلك لقبُه المعرُوف به بين سائر << فقرائه >> ومُريديه , حتّى أنّهم لا يُسمّونه باسمه الصّريح , فقال : هذا أمر لا ينبغي أن يكون , لأنّه من بعض الوُجوه في معنى قول الصّحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله مكان يا مُحمّد , قلت : ولماذا لا يجُوز أن يكون ذلك جريا على العادة المألوفة عندنا نحنُ الجزائريين من أنّ المرأة لا تدعو زوجها باسمه الصّريح ( ! ) فقال : هذا أسرف , فتركتُه وأقبلت على المرأة أسألها , لماذا هذا << الحرز >> ؟ قالت : قال لي << الشّيخ سيدي >> أنّه يقيك من << التّابعة >> ويحفظُك من << العين >> ويجلب لك << البُخت والقبُول >> ! وما دُمت تحملين هذا < الحرز >> فأنت في أحسن ما تكونين صحّة وعافيّة , فقال لها صاحبي : لعلّه << حرز مرجانة >> , فاستنكرت المرأة منه ذلك وقالت : حرز مرجانة يُباع فرنك واحد فقط , فقال لها : وهل دفعت أنت أجرة هذا << الحرز >> أم لم تدفعي شيئا ؟ قالت : << بُوه >> ! حرز بلا أجرة , كما << تعلّق >> حجرة , أنا دفعت مائة فرنك أجرة لهذا الحرز وقلقت أنا لهذه المُحاورة وضقت بها ذرعا , لأنّي كُنت أتلهّفُ إلى هذا الحرز وإلى الاطّلاع على ما يشتمل عليه , ولقد صمّمت على قراءته مهما كلّفني ذلك , وسألتُها هل نفعها أو جلب لها << البُخت والقبول >> ؟ فقالت : كلاّ , منذ << علّقتُه >> ما << ربحت >> ولا رأيتُ خيرا , فجعلنا نُشكّكها في أمره , ونُفسدُ عليها << نيّتها >> فيه , وقلنا لها : لعلّه << حرز سواقي >> ولم يكتُب لك خصّيصا , قالت : بل طلب منّي << الشّيخ سيدي >> أن أذكُر له اسمي أنا واسمُ أمّي فذكرتُهما له , قلنا : ومن يدري لعلّ الشّيخ غلط فأعطاك << حرزا >> آخر قد كتبهُ لامرأة أخرى , ولعلّ حاسدة من النّساء اللاّئي يحسُدنك قد أرشت الشّيخ فكتب لك هذا الحرز لكي يرزأك به في صحّتك , وليجلب عليك التّعس والكساد , وهُنا تطرّق إليها الشّكّ , وارتابت في أمر هذا الحرز ووقع في نفسها أنّ << زُليخا >> مُنافستها << وصاحبة صنعتها >> قد تكون دسّت لها بعض الدّسائس , وكادتها لدى شيخ الحُلول , وكانت << زُليخا >> هذه << فقيرة حُلوليّة >> هي الأخرى , ولم نزل بها نتلطّفُ معها ونحتالُ عليها , حتّى سلّمت إلينا هذا << الحرز >> واختطفتُه أنا من يدها وفضضتُه بخفّة مُدهشة , فوجدتّه << حرزا عصريّا >> بأتمّ معنى الكلمة كما كاتبُه شيخُ الحلول هو << طُرُقيّ عصريّ >> بأتمّ معنى الكلمة أيضا , فقد كان مكتُوبا بالمداد , لا بالوَذخ , وكان مكتُوبا بقلم الرّيشة ( الشّوكة ) لا باليراع ( القصبة ) كما هي العادة في كتابة << الحُروز >> ولم يكن خاليا من الإعجام ( النّقط ) , بل كان فوق ذلك مُزيّنا بكلّ علامات التّرقيم التي أدخلت على الخطّ العربيّ في هذا العصر الحديث , فكانت الفواصل والقواطع وعلامات التّعجّبّ ولااستفهام تتخلّل الجُمل والعبارات المكتوبة في هذا الحرز , وكانت الآيات القرآنيّة مكتُوبة بين مُزدوجين اثنين كدليل على الاقتباس , وكان الورق جيّدا صقيلا , وكانت الكتابة مُستويّة مُحرّرة , لا ترى فيها عوجا ولا أمتا , غير أنّ هذا << الحرز >> قد كتبه شيخ الحلول لنفسه يستجلبُ به النّفع والخير , ولم يكتُبه للمرأة التّي تحمله ليجلب لها خيرا أو يدفع عنها ضيرا , وقد جاء في هذا الحرز ما نصّه : << . . . اللّهمّ إنّنا نسألك باسمك الأعظم ( الذي إذا دُعيت به أجبت ) أن تجعل هذه المرأة حاملة كتابنا هذا ( مُريدة ) لنا ( فقيرة من فقيراتنا ) صادقة في ( فقرها ) إلينا , اللّهمّ واجعلها تُجزل لنا ( الزّيارة ) والعطاء , اللّهمّ إن كانت مُحسنة إلينا فزد في إحسانها , وإن كانت بخيلة كزة فيسّر علينا رزقنا من مالها , اللّهمّ إنّنا نسألك أن تجعلها لنا بقرة حلوبا ! ! . . . >> وتلونا عليها هذا ( الحرز ) وشرحنا لها ما فيه من المعاني , فغضبت غضبا شديدا , وتناولته فمزّقته تمزيقا شنيعا , وهي تكاد تتميّز من الغيظ , وكان في نيّتي أنا أن آخذه منها وأن أحتفظ به لوقت الحاجة , ولذلك فإنّي تأسّفت على تمزيقه كثيرا .

        وجَعلت تُحدّثنا وتقول : أنا ما عندي بُخت ( أنا ما عندي زهر ) في الأولياء , في ليلة الاثنين من كلّ أسبوع أجعل ( وعدة ) لوليّ ولا أزال ( أزور ) الأولياء وأطيعُهم حتّى أنّه لا تكاد تُوجد امرأة في الدّنيا كلّها أكثر منّي طاعة للأولياء , فقلت لها أنا : ولماذا لا تُطيعين الله ؟ قال : هو شيء واحد , وقال الله في كتابه العزيز : ( من أطاع الأولياء فقد أطاع الله ) ! فقلت لها : ليس هذا كلام الله , وليست هذه آية من القرآن العظيم , قالت : بل هو من كلام الله وهي آية من القرآن وإنّي سمعتُها من << الفقراء >> وبعد جدال طويل حول هذا الكلام هل هو قرآن أو ليس بقرآن سألتنا قائلة : إذن ما ذا قال الله في القرآن : فقلنا لها : قال : (<< من يُطع الرّسول فقد أطاع الله >>) فقالت : هذا هو نفس ما تلوتُه أنا عليكم لأنّ طاعة الأولياء هي طاعة الرّسُول صلّى الله عليه وسلّم وطاعة الرّسول هي طاعة الله , فعجبنا لمنطقها هذا وسألناها عن الفرق بين النّبيّ والوليّ فقالت أنّ : << النّبيّ خالقنا . . . >> فسألناها ما معنى << خالقنا >> ؟ فإذا هي لا تفهم لهذه الكلمة معنى , وسألناها كيف تُطيعين الأولياء ؟ قالت : أزورهم وأجعل لهم << الوعدات >> وأقدّم إليهم النّذور وأسلّم إليهم تسليما كلّيّا حتّى إنّي لا أفعل شيئا ولا أترُك شيئا آخر إلاّ بعد ما أستشير الأولياء وهم يُحبّونني ولأراهم في المنام كثيرا وكان مُرادي أن لا أزور سيدي عابد هذا العام لأنّي نظرت في أمري فرأيت أنّ التّكاليف والنّفقات التّي تجب في هذه ( الزّيارة ) هي كثيرة باهضة لا تُطاق , ورأيتُ أنّ الرّبح مشكوك فيه إذا لم تكن هنالك خسارة , فنويت أن لا أزور هذا العام , ولكن ما هي إلاذ أن نويت هذه النّيّة حتّى وقف عليّ في المنام رجُلٌ مربوع القدّ , شديد بياض الثياب شديد سواد الشّعر في نحو الأربعين من عُمره , تبدو على ملامح وجهه , وفي نظرات عينيه كلّ دلائل الحزم والنّشاط وقال لي : يا زُبيدة قومي زُوري سيدي عابد , ثمّ مضى فاستيقظت أنا على الأثر , وقلت في نفسي هذه أضغاث أحلام ووضعت رأسي على الوساد , وما هي إلاّ أن أغمضت عيني حتّى وقف عليّ هذا الرّجُل مرّة ثانية وقال لي بلهجة حازمة جازمة : يا زُبيدة ألم أقل لك قومي زُوري ؟؟ قالت : فاستيقظت أيضا , واستعذت بالله من الشّيطان الرّجيم ثلاث مرّات وتفلت ( بصقت بُصاقا خفيفا ) إلى اليسار ثلاث مرّات أيضا , ثمّ عُدتّ إلى نومي ولم تكد تغفو عيني حتّى وقف عليّ الرّجُل للمرّة الثالثة وفي يُمناه سيف مُصلّت وكان الشّرر يقدح من عينيه , وكانت نظراته كشواظ من نار , وقال : يا زُبيدة لقد أمرتُك مرّتين بالزّيارة فلم تُطيعي , واستعذت بالله منّي , كأنّي شيطانُ رجيم , أنا عابد , أنا عابد , أنا عابد ثلاث مرّات , وإذا لم تزُوري فإنّي أقصم ظهرك بهذا السّيف , قالت : فاستيقظت خائفة مذعُورة أرتعد وأرتجفُ , وقمت إلى أمتعتي في ذلك اللّيل فحزمتُها , وأمرت جميع النّساء اللائي هنّ تحت إمرتي ( تصرّفي ) بأن يتأهّبن للزّيارة في صبيحة اليوم التّالي , ونحن هُنا مُنذ أسبوع أنا وثلاث نساء في هذه القبّة ( الحانة ) والنّساء الأخريات وهُنّ إحدى عشرة امرأة ضربت لهنّ قبّة خاصّة بهنّ وجعلتُها حجرات بعددهنّ لكلّ واحدة حُجرتُها وادّعتنا إلى زيارة قبّتها الأخرى , وقالت : ها هي قريبة , وأشارت إلى ماخُور منصوب فاعتذرنا عن ذلك وقلت لها أنا : أبمثل هذا تُطيعين الأولياء يا زُبيدة ؟ قالت نعم , الأولياء يُحبّون الزّهو , قلت : حاشا لله إنّهم يُحبّون الصّلاح والتّقوى ولا يُحبّون لكم ما أنتم فيه من المُجون والاستهتار في المعاصي . 

 

محمّد السّعيد الزّاهري

 



 : جريدة الصّراط السّويّ العدد السّادس عشر ( [1] )