من مبادئ دعوة التّوحيد للإمام ابن عبد الوهّاب رحمه الله

        نقلا عن مقال بعُنوان ـ( الوهّابيّون سُنّيون حنابلة )ـ لصاحب المعالي العلاّمة الفقيه محمّد الحجوي وزير المعارف بالمغرب الأقصى , الذي نشرته جريدة الصّراط السّوي في عددها الثّالث الصّادر يوم الاثنين 5 جُمادى الثّانية 1352 للهجرة الموافق ل 25 سبتمبر 1933 للميلاد :

        << ومن جملة مبادئهم التّمسّك بالسّنّة وإلزام النّاس بصلاة الجماعة وترك الخمر وإقامة الحدّ على متعاطيها ومنعها كلّيا في مملكتهم بل منع شرب الدخان ونحوه ممّا هو من المشبهات , ومذهب أحمد مبني على سدّ الذرائع كما لا يخفى , ونحو هذا من التّشديدات التي لا يراها المتساهلون أو المترخّصون>> .

الأضحية بقلم الأستاذ محمد العيد آل خليفة

الأضحية
تمهيد- سنية الأضحية- سبب مشروعيتها- حكمة مشروعيتها- ما ورد فيها من أحاديث الترغيب والترهيب- بعض أحكامها ومسائلها- موعظة وذكرى
.

بقلم الأستاذ محمد العيد العضو بجمعية العلماء قال:

نحن على أبواب عيد النحر المبارك الذي تسن فيه الأضحية فمن الأنسب أن نذكر قراء «البصائر» ببعض ما يتعلق بهذه السنة العظيمة في الإسلام من الحكم والأحكام؛ ونمهد لذلك بكلمة موجزة في القرابين والذبائح.
تقريب القرابين وذبح الذبائح لله عز وجل شعيرة من الشعائر القديمة وعبادة من العبادات الأولى التي عرفها الإنسان منذ عرف الدين، لهذالم تخل منها شريعة من الشرائع الإلهية في وقت من الأوقات، وقارئ القرآن يدرك قدم هذه العبادة من قوله عز وجل: {واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قربا قربانا الخ}، ويدر شيوعها وذيوعها في الأمم الماضية من قوله عز وجل: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
ونصيب الأمة الإسلامية من هذه الذبائح منحر في ثلاثة:
الهدي وهو ما يذبح تقربا إلى الله في منى،
والعقيقة وهي ما يذبح عن المولود في يوم سابعه
والأضحية وهي ما يذبح يوم عيد الأضحى
وتشمل آية الكوثر: {فصل لربك وانحر} هذه القرابين الثلاثة، لتعميم الأمر بالنحر فيها، وهذه القرابين مختصة بالأزواج الثمانية من الأنعام: الضأن ذكرها وأنثاها، والمعز ذكرها وأنثاها، والإبل ذكرها وأثناها، والبقر ذكرها وأنثاها، فلا تكون من الطير والوحش لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم إنما ضحوا وأهدوا وعقوا من الإبل والبقر والغنم.

أما الأضحية التي هي موضوعنا فهي سنة مؤكدة على من لا يجحف به ثمنها، وسبب مشروعيتها فداء ولد إبراهيم الخليل عليه السلام من الذبح الذي أنبأنا الله عنه في القرآن بقوله:{وبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم الخ }

وقد كان الجاهليون يذبحون العتيرة وهي شاة يذبحونها في رجب قربانا لأوثانهم وأصنامهم فلما جاء الإسلام أمر المسلمون استحبابا بذبحها لله عز وجل حتى سنت الأضحية فنسختها، وإنما سنت الأضحية لتذكير المسلمين بالبلاء المبين الذي ابتلي به أبوهم إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام.
ومن حكمة مشروعيتها أيضا التوسعة على العيال في يوم العيد بما يأكلونه منها وإدخال السرور على قلوب الفقراء بما يتصدق به عليهم منها وجلب مودات الأصدقاء بما يهدى إليهم منها، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة مرغبة في الأضحية وحاضة عليها فمن ذلك ما في صحيحي ابن ماجه والترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما علم آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا» ومعنى إتيانها يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها أنه لا يفوت من أجرها قليل ولا كثير، ومعنى وقوع الدم من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض تحقيق قبولها وسرعة حصول أجرها، وفي صحيح ابن ماجه فيما رواه الحاكم وغيره قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: «سنة أبيكم إبراهيم»، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: «بكل شعرة حسنة» قالوا: فالصوف؟ قال: «بكل شعرة من الصوف حسنة». وفيما رواه البزار وابن حبان في كتاب الضحايا عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بـأول قطرة من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنبك». قالت: يا رسول الله ألنا خاصة أهل البيت أو لنا وللمسلمين. قال: «بل لنا وللمسلمين». ومن الأحاديث الواردة في الترهيب من ترك الأضحية مع القدرة عليها ما صححه الحاكم: «من وجد سعة لأن يضحي ولم يضح فلا يحضر مصلانا»، ومن أجل هذا التأكيد الوارد في الأضحية ترغيبا وترهيبا فضلت على الصدقةِ الكثيرة والعتق وكانت أوكد من السنن.

وأحكام الأضحية ومسائلها كثيرة مفصلة في كتب الحديث والفقه منها ما يؤخذ من نصوص الحديث ومنها ما يرجع إلى اجتهادات أئمة المذاهب ونكتفي بذكر ما لا غنى للمسلمين عن علمه من هذه الأحكام من ذلك بيان الأفضل من الأنعام في الأضحية: مشهور مذهب مالك بن أنس رضي الله عنه أن الأفضل في الضحايا الضأن ثم المعز ثم البقر ثم الإبل، وذَكَرُ كل صنف أفضل من إناثِه، وإناثه أفضل من ذكور ما بعده في الترتيب، وأما أقل ما يجزئ من أسنانها وأعمارها فالجذع من الضأن وهو المشهور الداخل في السنة الثانية دخولا ما والثني مما سوى الضأن، وثني كل بحسبه فثني المعز الداخل في الثانية دخولا بينا، وثني البقر الداخل في الرابعة، وثني الإبل الداخل في السادسة، فإذا كانت الضحايا دون هذه الأسنان المعينة لم تجزئ،
والوقت المشروع المعين للأضحية بعد صلاة الإمام وذبحِه، فإن ذبحت قبل صلاة الإمام وذبحه لم تجزئ ففيما اتفق عليه من الأحاديث ما روي عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله»، ويمتد وقت الذبح من ضحوة اليوم الأول إلى غروب الشمس من اليوم الثالث، ولكنها لا تذبح ليلا لورود النهي عن ذلك، والأفضل للمضحي أن يلي الذبح بنفسه فإن لم يمكنه لسبب من الأسباب فليوكل على الذبح مسلما ويستحب أن يكون مصليا، ويجب في الأضحية أن تكون سالمة من العيوب إلا ما خف منها، والصفة الكاملة المستحبة فيها أن تكون كبشا سمينا فحلا أقرن أملح (بياضه يغلب على سواده) ينظر بسواد (ما حول عينيه أسود) ولا يباع من الأضحية لحم ولا جلد ولا شعر ولا غير ذلك كما يمنع أن يعطى شيء منها أجرة للذبح والأفضل للمضحي في توزيعها أن يأكل منها ويتصدق بلا حد في الأكل ولا في الصدقة ولا بأس أن يهدي أو يدخر منها.

ولا يفوتنا في النهاية أن نذكر إخواننا المسلمين بتصحيح النية وقصد التسنن في الأضحية وصدق التقرب إلى الله بها فهي أخت الهدي شعيرة مشروعة لتكبير الله على ما هدى وشكره على ما أنعم لا لمباهاة الرجال ولا للهو الصبيان. ثم هي ذكرى عظيمة، وعظيمة جدا تنفخ في المسلمين من روح التضحية وتعطيهم مثالا صادقا للإسلام الحق المتجلي في عمل الخليل وابنه عليهما السلام.

ولو أن المسلمين ورثوا من أبيهم إبراهيم، ذلك الخلق العظيم، فضحوا بأعز ما يملكون في الوجود، في مرضاة الرب المعبود، لعاشوا عيشة الأحرار، وماتوا موتة الأبرار، والتحقوا بجوار المصطفين الأخيار، في جنات تجري من تحتها الأنهار ونعم عقبى الدار.


(محمد العيد آل خليفة)

-مجلة البصائر / السنة الأولى/ العدد التاسع09/ الصفحة 10/ مقال الأضحية العيد آل خليفة. 

خطبة منبرية : سرّ الضّحية للعلّامة عبد الحميد بن باديس

        الحمد لله الواحد الأحد في ربوبيته وألهويته, مُبتدئ الخلق برحمته, الدّاعي إليه بنعمته وحجته. شرع الشرائع بالحكمة والعدل لسعادة الإنسان, وأودعها أسرار وفوائد يعظم منها النّفع ويزداد بها الإيمان. وأرسل إلينا محمّدا صلى الله عليه وآله وسلم ــ شاهدا ومبشرا ونذيرا, وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا, وأنزل عليه القرآن آية بيّنة, وحجته باقية, وهداية شاملة, وعلمه ما لم يعلم وكان فضله عليه عظيما. وأيّده بروح منه حتى أدّى الرّسالة, وبلغ الأمانة وأقام الحجّة, وأوضح المحجّة, وأبقى لنا من بعده كتاب الله وسنته هداية للمُهتدين وتذكرة للذاكرين وتبصرة للناظرين. ووفقنا إلى تلبية دعوته, واتباع شريعته, والتزام سنّته, لا غلوّ الغالين ــ إن شاء الله ــ ولا تقصير المقصّرين.

فالحمد لله على جميع نعمه, وعلى هذه النّعمة, والصلاة والسلام على جميع رسله, وعلى إمامهم وخاتمهم محمّد رسول الرّحمة, وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.

        أمّا بعدُ: فهذا يوم الحجّ الأكبر, والموسم الأشهر, جعله الله عيدا للمسلمين, وشرع فيه ما شرع من شعائر الدّين, تزكية للنّفوس وتبصرة للعقول, وتحسينا للأعمال وتذكيرا بعهد إمام الموحّدين وشيخ الأنبياء والمرسلين, إبراهيم الخليل, عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين.

        فقد كسّر الأصنام وحارب الوثنية وحاجّ قومه وما كانوا يدعون من دون الله, وقام يدعو ربّه وحده طارحا ما سواه, وحاجّ الملك الجبار حتى بهت الذي كفر, وقذفوا به في النّار فما بالى بهم ولا بها وثبت وصبر, حتى نجّاه الله وجعل الذين أرادوا به كيدا هم الأخسرين.

        وأوحى الله إليه بذبح ابنه فامتثل, واستشار ابنه إسماعيل فأجاب وقبل, فطرحه للذبح وأسلما لله في القصد والعمل, ففداه الله بذبح عظيم, وترك عليه في الآخرين سلام على إبراهيم, وأبقى سنّة الضحية في الملة الإبراهيمية والشريعة المحمّدية, تذكارا بهذا العمل العظيم, والإسلام الصادق لربّ العالمين ليتعلم المسلمون التضحية لله بالنّفس والنّفيس, وليعلموا أنّ المسلم من صدق قوله فعله ومن إذا جاء أمر الله كان لله كله.

        فتدبّروا أيّها المسلمون في هذا السّرّ العظيم ومرّنوا أنفسكم على التضحية في كلّ وقت في سبيل الخير العام بما تستطيعون ولا تنقطعوا عن التضحية ولو ببذل القليل, حتى تصير التضحية خلقا فيكم في كلّ حين, واجعلوا قصّة هذا النّبيّ الجليل نصب أعينكم وتدبّروا دائما ما قصّه الله منها في القرآن العظيم عليكم, وأحيوا هذه السّنّة ما استطعتم, وأسلموا لله ربّ العالمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم: (<< وقال إنّي ذاهب إلى ربّي سيهدين, ربّ هب لي من الصّالحين. فبشّرناه بغلام حليم, فلما بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا تر ى, قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصّابرين, فلما أسلما وتله للجبين, وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرّؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين, إنّ هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم, وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المُحسنين إنّه من عبادنا المؤمنين >>). 

 

[ نشرت هذه الخطبة : في جريدة الشّهاب : ج4 , م10 , غرّة ذي الحجة 1352 هـ 17 مارس 1934م ]

الصّبر على الأذى في الدّعوة إلى الله

        نقلا عن مقال بعُنوان ـ( وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر )ـ لأحد طلبة العلم الجزائريين , والذي نشرته جريدة الصّراط السّوي في عددها الثاني الصّادر بيوم الاثنين 28 جُمادى الأولى 1352 للهجرة المُوافق لـ 18 سبتمبر 1933 للميلاد :

        << عيب كبير ومعرّة عُظمى أن يقول العالم لا أقعد في هذه البلاد لأنّ الأمّة مُعوجّة وغليظة ولا تعرف قدر العالم كما يعتذر به كثير من الطّلبة المخذولين المفتونين بغُرور إبليس اللّعين الذي يُريد أن يحول بين العلماء والعامّة حتّى يستبدّ بها ويقضي وطره منها ذلك لا يكون عُذرا لأنّ الرّسُل الكرام العظام القدر والشّأن وهم قُدوتُنا قد لاقوا من الأتعاب والإذايات والشّتم والسّب ما لاقوا كما يُعلم ذلك من كتاب الله تعالى وقد قال : (<< وكأيّن من نبيء قُتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا ما استكانوا والله يُحبّ الصّابرين >>) وإذا قال قائل ضعيف العزيمة وقليل الإيمان إذا قال : ذلك في حقّ الرّسل لا في حقّنا نقول استغفر الله وفي أيّ شيء كان العلماء ورثة الأنبياء إلاّ في العمل والتّبليغ والدّعوة إلى الله والصّبر كما صبروا الخ >> .

الصفحة 4 من 42