نفس العبد هي مُعرقلته عن السّعادة

         نقلا عن مقال ــ( فضل السّجود والحثّ عليه )ــ للعلاّمة ابن باديس ــ( رحمه الله )ــ , والذي نشرته جريدة الصّراط السّويّ في عددها العاشر الصّادر يوم الاثنين 2 شعبان 1352 هجريّة المُوافق ل 22 نوفمبر 1933 للميلاد :

        << النّفس هي المعرقلة للعبد عن الصّعود في سلّم السّعادة وأنّه إذا قهرها وغلبها فقد تيسّرت له أسباب الكمال >> .

معنى ليلة القدر

        نقلا عن مقال بعُنوان ـ( آثار وأخبار )ـ لمُحرّري جريدة الصّراط السّويّ , والذي نشرته الجريدة في عددها السّابع عشر الصّادر يوم الاثنين 22 رمضان 1352 هجريّة المُوافق لـ 8 جانفي 1934 للميلاد :

        << قال الشّوكاني : << قيل سُمّيت ليلة القدر لأنّ الله سُبحانه يُقدّر فيها ما شاء من أمره إلى السّنة القابلة , وقِيل لعظيم قدرها وشرفها وقِيل لأنّ للطّاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا , وقال الخليل لأنّ الأرض تضيق فيها بالملائكة كقوله تعالى :(<< ومن قُدِرَ عليه رزقه >>) أي ضُيّق >> , تفسير الشّوكاني ( 5 : 459 ) .

        ( تعليق ) : هذا كلام الشّوكاني حذفنا منه كلمات قليلة لا تُؤثّر في فهم المراد منه , والأقوال الثلاثة الأول ذكرها أيضا مُحيي السّنّة أبو محمّد البغوي في تفسيره , ولا أرى مانعا من صدق هذه الأقوال مُجتمعة , فهي ليلة قدر بمعنى تقدير الأرزاق والآجال وغيرها لوُقوع هذا التقدير فيها , وهي ليلة قدر وشرف لنزول القرآن فيها , وللطّاعات فيها قدر وفضل على الطّاعات في غيرها , وهي ليلة تكثر فيها الملائكة بالأرض كثرة لا تكون في غيرها لقوله تعالى (<< تنزّل الملائكة والرّوح فيها >>) . وعلى تفسير القدَر بمعنى تقدير أمور الخلق يُقال كيف يتجدّد هذا التّقدير كلّ سنة وقدرُ الله أزليٌ ؟ وقد نقل البغوي جواب هذا السّؤال في تفسيره , فقال : << قِيل للحسن بن الفضل أليس قد قدّر الله المقادير قبل أن يخلق السّموات والأرض ؟ قال : نعم , قِيل : فما معنى ليلة القدر ؟ قال : سَوقُ المقادير التي خلقها إلى المواقيت تنفيذ للقضاء المُقدّر >> , وقد استبان من هذا أنّ اللّيلة التي تُقدّر فيها أمور الخلق هي اللّيلة التي قال الله فيها خير من ألف شهر , وسمّاها في آية الدّخان مُباركة إذ قال (<< إنّا أنزلناه في ليلة مُباركة >>) فليلة القدر واللّيلة المُباركة اسمان لليلة واحدة هي ليلة إنزال القرآن وهذه اللّيلة في رمضان لقوله تعالى : (<< شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن >>) وليست في شعبان كما يظنّه العوام الذين يفرّقون بين ليلة القدر واللّيلة المُباركة , ويعتقدون اعتقادا مُخالفا للقرآن أنّ اللّيلة المُباركة ليلة النّصف من شعبان , وبعض العوام يُسمّون ليلة النّصف من شعبان << ليلة قسّام الأرزاق >> ولهم في هذه اللّيلة خُرافات يبنونها على أساس الجهالات , وغرضُنا من هذا التّنبيه إرشاد المسلمين إلى معرفة هذه اللّيلة معرفة صحيحة كما نطق الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وبهذه المعرفة على هذا الوجه تتطهّرُ عقولهم من خُرافات وتزول عنهم جهالات >> .

معنى خيريّة ليلة القدر

        نقلا عن مقال بعُنوان ـ( آثار وأخبار )ـ لمُحرّري جريدة الصّراط السّويّ , والذي نشرته الجريدة في عددها السّابع عشر الصّادر يوم الاثنين 22 رمضان 1352 هجريّة المُوافق لـ 8 جانفي 1934 للميلاد :

        <<      عن أنس قال : << العمل في ليلة القدر والصّدقة والصّلاة والزّكاة أفضل من ألف شهر >> أخرجه عبد بن حميد , نقله في الدّر المنثور ( 6 : 370 ) .

        ( تعليق ) : بيّن هذا الأثر ــ وفي معناه آثار كثيرة ــ أنّ خيرية ليلة القدر راجعة إلى تفضيل الطّاعة فيها والعمل الصّالح على غيرها من اللّيالي والأيّام , وهذا يُفيد أنّ المسلم الذي يتطلّب ليلة القدر إنّما يتطلّبها ليعمل فيها صالحا ويجدّ في العبادة , فالمؤمن إنّما يطلبها للدّين لا للدّنيا , وقد ثبت في الصّحيحين عن أبي هُريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه آله وسلّم قال : (<< من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه>>) .

الدّعاء ليلة القدر

        نقلا عن مقال بعُنوان ـ( آثار وأخبار )ـ لمُحرّري جريدة الصّراط السّويّ , والذي نشرته الجريدة في عددها السّابع عشر الصّادر يوم الاثنين 22 رمضان 1352 هجريّة المُوافق لـ 8 جانفي 1934 للميلاد :

        << عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال قولي << اللّهمّ إنّك عفوٌ تُحبّ العفو فاعف عنّي >> رواه أحمد والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه والحاكم ونقله ابن كثير في تفسيره ( 9 : 261 ) 

        ( تعليق ) : ليلة القدر من أوقات الاستجابة , فينبغي للمُؤمن أن يُكثر فيها من الدّعاء ولهذا سألت عائشة رضي الله عنها عن صيغة تدعو بها تلك اللّيلة , وقد بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزوجه الكريمة عليه صيغة الدّعاء , فيتعيّن أن يُكرّر المُسلم هذا الدّعاء ليلة القدر وأن يُفضّله على ما سواه لأنّه لفظ أفضل الخلق الذي علّمه لأحبّ زوجاته , ثمّ هذا يُؤكّد ما قدّمناه من أنّ ليلة القدر تُراد للدّين لا للدّنيا , وكثير من العوام يتمنّى لو يعلم ليلة القدر ليطلب بها دُنياه , فليتُب إلى الله من وقع له هذا الخاطر السّيئ فإنّ الله يقول في كتابه العزيز : (<< من كان يُريد حرث الآخرة نزد له في حرثه , ومن كان يُريد حرث الدّنيا نُؤته منها وما له في الآخرة من نصيب >>) وكثير من العوام يعتقدون في بعض البيُوتات الغنيّة أنّ مُؤسّس ذلك البيت رأى ليلة القدر فسأل الله أن يجعل ماله ونسله خيرا من مال النّاس ونسلهم فكان ذلك , ثمّ يجعلون هذه الميزة الدّنيويّة دليل على ولاية ذلك الدّاعي وصلاح ذرّيته , وحديث عائشة رضي الله عنها وآية من كان يُريد حرث الآخرة وما في معنى ذلك من الآيات والآثار شاهدة بفساد ذلك الاعتقاد وضلال تلك الأفكار وأنّ الفرق بين التّقيّ والفاجر هو الإقبال على الآخرة أو الإقبال على الدّنيا , ولسنا نُنكر على من يطلب الدّنيا بأسبابها التي جعلها الله تعالى وإنّما نُنكر على من يكون همّه الدّنيا دون الآخرة حتّى أنّه يترصّد ليلة القدر ليطلب فيها الدّنيا غافلا عن الآخرة , ثمّ يعتقد أنّ من نال ثروة دُنيويّة بغير أسباب ظاهرة ليديه فإنّما ذلك لولايته ودُعائه ليلة القدر ! >> .

الصفحة 18 من 42